من لوسيل في دولة قطر، يدشن التلفزيون العربي اليوم انطلاقة جديدة تبني على ما راكمه من رصيد خلال سنوات عمله في العاصمة البريطانية لندن، متوسّعاً نحو فضاءات عربية ودولية أكثر رحابة وانتشاراً.
لم تكن انطلاقة التلفزيون العربي في عام 2015 عادية، ولا نستحضر كليشيهات متداولة إذا ما قلنا إنها جاءت في زمن عربي صعب تكثر فيه القيود البنيوية وتضيق هوامش الحركة اللازمة لنجاح أي قناة تلفزيونية تقارب العالم العربي في تغطيتها بوصفه وحدة جغرافية وثقافية واحدة مع وعي كامل بخصوصيات مجتمعاته وتنوعها.
بدأ العربي مسيرته في زمن الارتدادات العكسية للثورات العربية أو نجاح "الثورات المضادة" التي لا يمكن اختصارها في متانة السلطويات العربية فحسب، بل في ظهور قوى وحركات عنفية عابرة للحدود قدمت مشاريعها بالتضاد مع تطلعات الشعوب وتوقها نحو الحرية والتحول الديمقراطي.
رافق ذلك استقطاب سياسي، إثني، وطائفي وظف كذخيرة أيديولوجية لتبرير أزمات سياسية وصراعات مسلحة عدة في المنطقة العربية التي تأثرت أيضا بموجة شعبوية عالمية أرخت بظلالها لجهة تنامي الدعوات الانعزالية والشوفينية الوطنية والعنصرية.
جميع ما سبق بالإضافة إلى طفرة الإعلام المحلي ونجاحاته في استقطاب مشاهدات كبيرة على مستوى الدولة الوطنية، شكّل تحدياً للقنوات العربية الناشئة لجهة اجتراح الخطط التحريرية والبرامجية المناسبة للخروج عن التقليد وحجز مكانة في ساحة إعلامية تضم العديد من المنافسين ويتطلب تغيير عادة المشاهدة والمشاهدين فيها وقتا وجهدا كبيرين.
وفي ظل هذا الواقع، قدّم التلفزيون العربي نفسه بركيزتي الانحياز والموضوعية. تنطلق الأولى من رفض الحياد في القضايا المركزية، القيمية والإنسانية الرئيسية في التحرّر من الاستعمار والاستبداد والتطلع لغد أفضل. وتقوم الثانية على إدراك معنى ومسؤولية الانحياز القيمي من خلال التناول المهني الموضوعي للظواهر والمستجدات على مستوى اللغة والمعنى والأدوات لمخاطبة أوسع شريحة ممكنة بلغة عقلانية لا تفتقد عنصر التشويق بالتأكيد لكنها بعيدة كل البعد عن التعبوية الخطابية غير المنضبطة.
نتيجة لذلك، حقّق العربي نجاحاً كبيراً مقارنة بعمره وباتت له شخصيته الاعتبارية وخصائصه المميزة عن غيره مستفيداً من هامش الحرية الكبير في سياسته التحريرية ووعي إدارته والعاملين فيه برسالته، وهو الآن يستعد لمرحلة جديدة لها ميزاتها وتحدياتها أيضاً.
يأتي الانتقال إلى مدينة لوسيل القطرية في قائمة المزايا لكونها مدينة حديثة واعدة تضم فرصاً استثمارية كبيرة ومتنوعة، حيث صُمّمت لتتوافق مع رؤية قطر التنموية لعام 2030، كما يرتبط اسمها بالحدث الأهم، كأس العالم، الذي تستضيفه قطر في نوفمبر المقبل، حيث تحتضن نهائي البطولة، وهو ما يمنح التلفزيون العربي فرصة مهمة لتغطية حدث يشد أنظار الملايين في المنطقة العربية والعالم.
إضافة إلى أن وجود قناة العربي في قطر يوفّر فرصة لرفده بخبرات تحريرية وتقنية احترافية لا يوفرها سوق العمل الإعلامي العربي في لندن، الأمر الذي سوف يذلل عقبات رئيسية اعترضت عمله سابقاً. ويبقى العنصر الأهم في رأينا أن غراس العربي ستنبت هذه المرة في أرض عربية، قطر، تؤمن بأهمية الإعلام والعمل الإعلامي وتوفر له الأرضية الخصبة اللازمة لنجاحه.
بعد قليل، في تمام الثامنة مساءً بتوقيت الدوحة، تقترب اللحظة التي لطالما انتظرها فريق التلفزيون العربي، الذي شرفت بالعمل ضمنه في لندن، لتبدأ معهم مسيرة عمل جماعي نحو مزيد من النجاحات.