جاء عام 2021 حاملاً معه تغيرات جديدة كسرت الجمود السياسي الذي كان سائداً في المنطقة العربية، حيث انعقدت قمة الـ 41 لمجلس التعاون الخليجي في العلا بتاريخ 5 يناير 2021 بعد جلسات مناقشة (سريّة) بين قطر والسعودية رغبةً من الطرفين في حل النزاع الذي تسبب بتصدّع البيت الخليجي وَصِدَامات متعاقبة أثّرت على المنطقة بالمجمل والتي دامت لثلاث سنوات متواصلة.
وبما أنّ السعودية حليفة مصر الاستراتيجية كان لا بدّ من انفراجٍ في العلاقة بين قطر ومصر بالتزامن مع حل النزاع الخليجي، الأمر الذي يُفسّر بأنّه توجّه دولي لإعادة النظر في مشكلات الشرق الأوسط، ومن ضمنها خلاف مصر والسعودية مع قطر، فمن الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية وراء هذا التّوجه والذي بدا من خلال الزيارات المتبادلة بين مسؤولي "تركيا واليونان" بعد سنوات التوتر الحاصلة بينهما، إلى جانب التقارب "التركي المصري" وتدخل أميركا بالملف الليبي.
التقارب المصري القطري:
يعدّ التقارب بين البلدين تطوراً لافتاً رغم المراهنات الإعلاميّة التي استبعدت هذا التقارب بعد تبادل المراشقات والاتهامات عبر وسائل الإعلام لكلا الطرفين التي استمرت لسنوات، لكن في خضم الأجواء المتأزمة ظلّت المشاريع الاقتصادية والاستثمارية التي تدعمها قطر في مصر أيام حسني مبارك ومحمد مرسي مستمرة.
قطر بحكم دورها النّشط في المنطقة اِرتأت التعامل كدولة مع دولة هو أفضل بكثير في سياساتها من التعامل مع منظمات وأحزاب وجماعات سياسية
ومن هنا يمكن القول أنّ قطر بحكم دورها النّشط في المنطقة اِرتأت التعامل كدولة مع دولة هو أفضل بكثير في سياساتها من التعامل مع منظمات وأحزاب وجماعات سياسية لأنّ مصر مستقرة سياسياً وليست كالحالة السوريّة واليمنيّة عدا عن كون مصر تتمتع بموقع جيوسياسي وتعداد سكاني كبير جعل منها دولةً كبيرة ومهمة مهما كانت الجهة الحاكمة لها، فمعاداتها أو تجاوزها لا يصب في صالح دول المنطقة.
وإذا أردنا الحديث عن تطور التقارب بين البلدين (مصر وقطر) تُحيلنا الوقائع إلى قضية فلسطين والأدوار التي تقاسمتها كلّاً من قطر ومصر على مرّ السنوات السابقة من خلال المساعدات الماليّة والمساهمة في الإعمار ودعم فصائل المقاومة...
هذه الأدوار كانت محوراً مهماً أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على المسجد الأقصى وغزّة في عودة مسارات التفاهم والتعاون بين الدولتين إلى الواجهة السياسية بحكم الوساطة التي مارستها كلّاً من مصر وقطر بين "حماس وإسرائيل" لإعادة التهدئة للمدن الفلسطينية، لأنه ليس من صالح إسرائيل الاستمرار في الحرب، فالدور المصري تمثّل في تقديم الإسعافات والدعم المالي من أجل تأهيل الحياة في غزّة وكذلك إرسال فريق لمراقبة وقف إطلاق النار، كل هذه المبادرات من الجانب المصري خلق أجواءً متناغمة مع الدور القطري المعروف تجاه القضية الفلسطينيّة.
وعليه رأينا الموقف القطري الجديد من خلال تصريح وزير خارجيتها تجاه مصر في سبيل إنجاح هذا التقارب غاضّاً الطرف عن أهم المسائل الحساسة فيما يخص ملف الإخوان المسلمين، لأنّ الدولة المصرية تعتبره شأنا داخليا، إلّا أنّ مصر تدرك الدور القطري النّشط في المنطقة ومنها علاقة قطر بإثيوبيا، وبالتالي التقارب بين الدولتين (قطر ومصر) يعتبر عاملا إيجابيا بالنسبة لمصر عبر مساهمة قطر في التأثير على موقف الحكومة الإثيوبية في وقف مَلء سد النهضة الثاني، بالإضافة إلى أنّ التقارب سيؤدي إلى تخفيف حدّة التوتر بين الأطراف الليبية المتنازعة وهذا يصب في صالح مصر التي لا تريد أن تكون ليبيا مشتعلة داخلياً مما سيؤثر في قرارات مصر على جبهات أخرى.
إذاً قطر تنهج نهج تركيا في البحث عن مصالحها وتعزيز دورها في المنطقة بعيداً عن مبادئ تُكلفها فوق طاقتها، حيث أصبح ملف الإخوان المسلمين عبئاً على السياسة الخارجيّة لكل من قطر وتركيا، ولذلك يرى مراقبون أنّه ما كان على جماعة الإخوان المسلمين أن تأجج صراعاً إعلاميّاً وشعبيّاً في المنطقة العربية من خارج مصر مما يُبقي الدول الداعمة لحقوقهم في موقف أقل حرجاً في تتبع مصالحهم.