بالرغم من التحضيرات التي جرت على مدار أشهر بحسب ما أعلن في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزراء خارجية تركيا وقطر وروسيا في الدوحة الخميس، من أجل إتمام الاجتماع الأول من نوعه بين الدول الثلاثة لتناول الملف السوري، إلا أن الإعلان المتأخر الرسمي عن الاجتماع عشية انعقاده، وطريقة ظهوره المفاجئ، ترك إشارات استفهام عديدة عن أسباب وأهداف الدول المشاركة من الاجتماع على صعيد الملف السوري من جهة، وعلى صعيد الإعلان عن أنه مسار جديد متواصل سيستمر بالاجتماع في الفترة المقبلة، مذكرا ببقية المسارات التي تناولت الملف السوري، وهي مسارات جنيف وأستانا وسوتشي، وكلها لم تحقق أثرا يذكر في إيجاد سبيل للحل السياسي، والمرحلة الانتقالية المنشودة من قبل السوريين، ولهذا تساءل السوريون في كل مكان وبمختلف المنصات مع انعقاد الاجتماع، عن أهدافه وأسبابه، والنتائج التي يمكن أن تحقق أثراً على صعيد الحل في البلاد.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف توّج جولته في المنطقة بزيارة قطر والمشاركة في الاجتماع، بهدف واضح وهو إعادة شرعنة النظام، خاصة بعد اللغة التي استخدمها المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف في اجتماع أستانا-15 الذي انعقد في سوتشي قبل أكثر من أسبوعين، بأن الانتخابات الرئاسية التي يعتزم النظام إجراءها مشروعة، ودعا جميع دول العالم للاعتراف بها، في ظل رفض دولي واضح، ورفض من الضامن التركي الذي يرفض مجرد الحديث عن هكذا انتخابات لا يمكن أن تجرى في ظل الظروف الحالية دون تحقيق الانتقال السياسي، ولا توجد أي مقومات ومؤشرات للاعتراف بها، في وقت تتكثف فيه الضغوط الاقتصادية الخانقة على النظام، فبدت جهود لافروف وكأنها استمرار في مسار السعي الروسي لتشريع النظام، ولكن النتائج التي خرج بها تظهر أنه عاد بخفي حنين من جولته هذه، دون تحقيق الهدف المنشود بسبب المواقف العربية والدولية الرافضة لاستمرار الوضع الراهن وتعويم النظام.
البيان الختامي أكد بوضوح أن قطر وتركيا كان لهما موقف واضح بأن المقاربة السورية تنطلق من بوابة الحل السياسي
جولة لافروف هذه توضح مما لا يدع مجالاً للشك، أن روسيا ساعية بكل قوتها إلى شرعنة النظام من جهة، وأنها تهدف إلى تحقيق عدة نقاط من جهة ثانية، بعد أن خنق الوضع الاقتصادي النظام، في ظل عجز كبير من قبل إيران وروسيا لمساعدته على احتواء الوضع الذي أثار استياء مؤيديه، فالأهداف الأخرى التي ترغب موسكو بتحقيقها هي إعطاء صورة عنها بأنها الدولة المنفتحة على جميع دول المنطقة والإقليم والعالم، وخاصة فيما يتعلق بدول الشرق الأوسط، أملا في استعادة دور بعد أن ظهرت أولويات للإدارة الأميركية، ولّدت ظروفا دفعت دول المنطقة للبحث عن حلفاء جدد على الساحة الدولية، فسعت موسكو لاستغلال ذلك عبر البوابة السورية، وإعطاء الانطباع أنها منفتحة على جميع الدول، والهدف التالي هو محاولة الاستفادة من الدور القطري الإيجابي في المنطقة، الدور الساعي لتحقيق الاستثمارات في الشعوب وتلبية مطالبه، حيث إن قطر معروف عنها دعم الجهود المشتركة مع منظمات المجتمع المدني بهدف مساندة شعوب المنطقة، وبالتالي الاستفادة من المواقف القطرية لتوفير المساعدات اللازمة لتخفيف الأزمة الإنسانية في سوريا التي تسبب بها النظام، أما الهدف الرابع فهو الرغبة الروسية في إشراك قطر بملف إعادة الإعمار خاصة أن الدول الغربية أبدت بشكل واضح أنها غير مستعدة لبدء مرحلة إعادة الإعمار دون حل سياسي لا يلوح في الأفق، ومن هذه النقطة يبدو واضحا رغبة روسيا في مواصلة سياستها مؤخرا بتعويم النظام ومحاولة حشد المساعدات له وإعادة الإعمار، ولكن البيان الختامي كان واضحا بتجديد التأكيد على أن كل هذه المراحل لا تمر إلا من الحل السياسي، والانتقال القائم على القرار الأممي 2254 الذي ينص بوضوح على حكومة انتقالية تعمل على إعداد دستور وقيادة الانتخابات.
البيان الختامي أكد بوضوح أن قطر وتركيا كان لهما موقف واضح بأن المقاربة السورية تنطلق من بوابة الحل السياسي، ولهذا جرى الحديث عن انعقاد اجتماع اللجنة الدستورية القادمة قبل شهر رمضان المبارك المقبل، في ظل اتهام صريح وواضح من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في المؤتمر الصحفي، بأن النظام غير مستعد للانخراط في الاجتماعات التي تقود لصياغة مسودة دستور جديد للسوريين حسب الجولات السابقة، ومن هنا بدا واضحا أن الهدف التركي من هذا الاجتماع هو تحقيق مزيد من الحشد السياسي والإنساني للملف السوري، وتحقيق الضغط على روسيا والنظام، حيث إن تركيا هي التي تقود الجهود الحقيقية للانتقال السياسي وتبدي رغبة واضحة أن يكون هناك حل عادل يرضي الشعب السوري، ولكن في ظل تخلٍ دولي عن السوريين وتراجع عن دعم الموقف التركي، باتت معه أنقرة وحيدة أمام إيران وروسيا في اجتماعات الدول الضامنة، وهو ما يجعلها بحاجة لمواقف دولية داعمة، ومن هنا كان ضم قطر إلى هذا المسار من أجل مزيد من الزخم السياسي الداعم لمواقفها، خاصة أن العبء الأكبر من اللاجئين يقع على تركيا، وفي المناطق الآمنة التي تسيطر عليها المعارضة وتوفر تركيا الحماية لهذه المناطق، وبالتالي برز الهدفان التركيان بخلق مسار إنساني، وتحقيق زخم سياسي لها على الصعيد الدولي، من أجل لفت النظر للملف السوري الذي بات يحتل مرتبة متأخرة من أولويات وأجندة الدول الغربية، ما أفسح المجال للنظام وداعميه لمزيد من التهرب من الاستحقاقات السياسية.
قطر من ناحيتها كان لها دور كبير على الصعيد الإقليمي والدولي، قبل أن تتعرض للحصار، من قبل محور السعودية الإمارات، ولكن قمة العلا التي استضافتها السعودية مؤخرا لدول مجلس التعاون الخليجي أفضت إلى مصالحة خليجية، وهو ما جعل قطر تستعيد دورها الإقليمي مجددا، خاصة أنها كانت داعما أساسيا للمعارضة السورية وللشعب السوري، وحاولت توفير الظروف الإقليمية والدولية لإيجاد حل وتخفيف معاناة السوريين، لكن تعنت النظام منع ذلك، فشكل الاجتماع الثلاثي في الدوحة الخميس، بداية العودة القطرية إلى لعب الدور الإقليمي والدولي، كما أنها أبدت استعدادها لتقديم الدعم للاجئين والنازحين السوريين داخل سوريا وخارجها، وبالتالي عودة للدور الإنساني القطري في المنطقة.
الاجتماع تزامن أيضا مع ظهور لرئيس الوزراء المنشق رياض حجاب على قناة الجزيرة في اليوم نفسه الذي التقى فيه مع جاويش أوغلو على هامش الاجتماع الثلاثي، وهو ما أدى إلى تأويلات عديدة بأنه ربما هناك شيء ما يلوح بالأفق من ترتيبات لمرحلة جديدة، ولكن الواضح حتى الآن ووفق ما تفيد مصادر مطلعة، أن اجتماع الدوحة حاليا إنساني، وهو الاجتماع الأول حتى الآن يحمل صبغة الاجتماع التأسيسي وتدشين المسار الجديد، ومن المبكر حتى الآن الحديث عن نتائج ربما تصدر عنه، ولهذا يمكن القول بوضوح أن المسار حاليا بدأ مسارا إنسانيا مع تلاقي أهداف الدول الثلاث في الملف الإنساني، وحسب التطورات والحوارات التي ستستمر على مستوى رفيع، ولاحقا على مستوى وزراء الخارجية في تركيا وروسيا على التوالي بحسب ما أعلن جاويش أوغلو، ربما هناك ثمة أهداف سرية غير معلنة يجري العمل والتأسيس عليها، ولم تتصدر التصريحات والأحاديث الرسيمة والمجاملات الدبلوماسية، وربما تقود مستقبلا إلى مسار سياسي جديد يأمل السوريون أن يكون مختلفا ويقدم حلا حقيقيا، ويخشون بالوقت نفسه أن تكون مزيدا من إضاعة الوقت الذي لا يحتمل مزيدا من التأخير نظرا للوضع الإنساني الصعب عليهم منذ 10 سنوات مع إدارة المجتمع الدولي ظهره لهم.