فيما يتم كتابة هذه السطور، قد تكون عملية تفاوض أميركية مع مسؤولين من النظام السوري، تجري في مكان ما، -يُرجح أن يكون مسقط-، تتعلق بمصير 6 مفقودين أميركيين يُعتقد أن النظام يحتجزهم في سجونه، أبرزهم، الصحفي الأميركي أوستن تايس. وإن لم تكن عملية التفاوض تلك، تجري الآن، فإنه يجري التحضير لجولة جديدة منها، على الأرجح.
من جانبه، على النظام التواضع في مطالبه، في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها المناطق الخاضعة لسيطرته. في حين يراهن الرئيس الأميركي، جو بايدن، على ذلك، أملاً في تحقيق إنجازٍ يدعم حظوظه الانتخابية، العام القادم، على غرار الاتفاق الأخير الذي عقدته إدارته مع طهران، قبل نحو أسبوع.
وفي هذه الأثناء، تخبو التوقعات التي تصاعدت خلال الشهر الفائت، باندلاع مواجهة عسكرية بين ميليشيات مدعومة إيرانياً، وبين تلك المدعومة أميركياً، في شرقي سوريا. وحتى الهجوم الذي تبنته قوى غير معروفة الهوية، ومحسوبة على نظام الأسد، والتي قالت إنها استهدفت بقذائف صاروخية، قواعد للأميركيين في "شرق الفرات"، يبدو خُلبياً. وحتى لو كان قد وقع فعلاً، -رغم نفي وقوعه من جانب الأميركيين-، فإنه لم يكن جدياً، فالمصادر المحلية تحدثت عن سقوط صاروخين صغيري الحجم، بعيداً عن نطاق قاعدة حقل كونيكو، المُستهدف في الهجوم.
وقع هذا الهجوم "الخُلبي" في الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام العالمية تتناقل تفاصيل عن صفقة تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وهو الاتفاق الذي تضمن تعهدات إيرانية بعدم استهداف القواعد الأميركية في سوريا والعراق، وفق المصادر الأميركية. وبذلك، قررت واشنطن وطهران القيام بخطوات لخفض التصعيد بينهما، بعد أن وصل إلى مستويات حرجة في الآونة الأخيرة.
إدارة بايدن لا تريد تصعيداً عسكرياً مع إيران. وترجمة ذلك في سوريا: استعدادٌ أميركي لاستمرار حالة التعايش مع الإيرانيين، في شرقي البلاد
يكشف اتفاق تبادل السجناء بين طهران وواشنطن عن جملة خلاصات بخصوص الطرفين. من الجانب الأميركي، تبدو الخلاصة الأولى جليّة جداً. فإدارة بايدن لا تريد تصعيداً عسكرياً مع إيران. وترجمة ذلك في سوريا: استعدادٌ أميركي لاستمرار حالة التعايش مع الإيرانيين، في شرقي البلاد. أما الخلاصة الثانية، فهي تركيز إدارة بايدن على استعادة الأسرى الأميركيين من دول كالصين وروسيا وإيران، وسوريا أيضاً، لأهداف انتخابية داخلية. وهو ما يكشفه المسار الطويل من التفاوض الذي استمر سنتين ونصف السنة مع الإيرانيين، بهذا الهدف، بالتزامن مع مسار التواصل مع نظام الأسد عبر عُمان، والذي تم تأكيده قبل بضعة أشهر.
أما من الجانب الإيراني، فيكشف الاتفاق أن طهران بدورها، ليست راغبة بتصعيد التوتر العسكري مع الأميركيين في شرق سوريا. والخلاصة الأهم، أنها مستعدة لتقديم تنازلات في مشروعها النووي، من قبيل تخصيب اليورانيوم بمستويات نقاء لا تزيد على 60%، وفق ما ينص عليه الاتفاق، مقابل الحصول على مصادر تمويل لشراء الأغذية والأدوية بالأموال الإيرانية المحتجزة. مما يعني أن البعد الاقتصادي حاضر بقوة في ذهن صانع القرار في طهران. وهو ما ينسحب بالمثل، على الحالة السورية.
وفي حين تغيب أية معلومات عن مسار التفاوض الحالي بين واشنطن ونظام الأسد، من المرجح أن تفاقم حالة الانهيار المعيشي في مناطق سيطرة النظام، ستدفعه إلى خفض سقف مطالبه. ووفق ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، قبل نحو 4 أشهر، فإن مسؤولين أمنيين من النظام، أجروا محادثات مع مسؤولين أميركيين في عُمان، بخصوص المفقودين الأميركيين. ووفق الصحيفة فإن النظام طلب من واشنطن رفع العقوبات المفروضة عليه تماماً، أو تخفيفها، في ظل مخاوفه من تأثير قانون مكافحة الكبتاغون الذي دخل حيز التنفيذ قبل أسابيع. وكان رأس النظام، بشار الأسد، قد أجرى زيارة مفاجئة لسلطنة عُمان، في شباط/فبراير الفائت، مما أوحى بجديّة النظام في التفاوض مع الأميركيين بخصوص مفقوديهم، بعد أن ماطل لسنوات، منكراً أنهم في حوزته.
رغبة بايدن في تحقيق اختراق بخصوص الكشف عن مصير الأميركيين المفقودين في سوريا، سيصبح أكبر خلال الأشهر القادمة مع اقتراب عام الانتخابات
ويوحي قرار واشنطن قبل أيام، بعدم تمديد "رخصة الزلزال" التي خففت العقوبات المفروضة على النظام، بأن أي اختراقات نوعية في المفاوضات بين النظام والأميركيين، لم تحدث. كما أن التعنت الذي أبداه الأسد في مقابلته الأخيرة على "سكاي نيوز عربية"، يؤكد أن مسار بناء تفاهمات مع الأميركيين ودول إقليمية، ما يزال معقّداً. وقد يرجع ذلك إلى عدم واقعية مطالب النظام من جانب، وتعرّض إدارة بايدن لضغوط داخلية من مشرّعيين ولوبي سوري معارض، تمنعه من تقديم تنازلات للنظام، من جانب آخر. لكن تفاقم الانهيار المعيشي في مناطق سيطرة النظام، قد يضطر الأخير لأن يكون أكثر واقعية في مطالبه، كما أن رغبة بايدن في تحقيق اختراق بخصوص الكشف عن مصير الأميركيين المفقودين في سوريا، سيصبح أكبر خلال الأشهر القادمة مع اقتراب عام الانتخابات.
وهكذا يمكن القول إن الاتفاق الإيراني – الأميركي المشار إليه، يُنبئ بأن السنة ونصف السنة الأخيرة من حكم إدارة بايدن، لن تشهد –على الأرجح- مفاجآت تصعيدية بين الطرفين، في سوريا. وإن احتمالات حصول اختراق في ملف المفقودين الأميركيين، مقابل عدم تصعيد العقوبات الأميركية ضد النظام، ستصبح أكبر.