في تاريخ 7 حزيران/يونيو 2020، صدر بيان حول تفاهمات ومفاوضات جارية بين بعض الأحزاب الكردية بخصوص مستقبل الجزيرة السورية، والتي اتخذت من "مفاوضات الوحدة الكردية" عنواناً لها.
تباينت ردود الفعل حول هذا البيان بين موافق ومعترض. افترض المعترضون أنّ هناك موقفاً مسبقاً، من قِبل الموقعين على البيان، ضدّ هذه التفاهمات (الكردية -الكردية)، وضدّ وحدة الصف الكردي، وهنا لا بد من التوضيح، بصفتي أحد الموقعين على البيان، أّننا لسنا ضدّ أي حوار (كردي – كردي)، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أّن "وحدة الصف الكردي" هذه هي في وجه من تحديداً؟ وهل هذه الوحدة تأتي ضمن السياق الوطني السوري بمعزل عن المشاريع العابرة للحدود؟ أم هي مع الإبقاء على المرجعيات السياسية الإقليمية (التي لا تنكرها تلك الأحزاب وتعترف بها)؟
الأطراف المتحاورة
يجب ألّا يتم التغافل على أنّ الأطراف المتحاورة في المفاوضات الجارية لا تمثل كامل الأحزاب والتيارات الكردية، بل تمثل جزءاً من المكون الكردي فحسب، الأمر الذي لا يمكن قبوله كممثل وحيد ووصي عن كامل المكون الكردي، بدليل أنّ هناك شخصيات وأطرافاً كردية كانت من طليعة الموقعين على هذا البيان، وبالتالي فإنّ هذه المفاوضات لا تمثل جميع الكرد، الأمر الذي يتنافى مع مقولة أن "هذه الحوارات جاءت بهدف توحيد الصف الكردي" وإلّا لماذا لم يتم إشراك باقي الأحزاب والأطراف الكردية في تلك المفاوضات؟ بالإضافة إلى أنّنا لسنا ضدّ أي حوار بالمستوى السياسي، بصورة عامة، وبين أي طرفين سوريّين شريطة ألّا تمس هذه الحوارات "الثوابت الوطنية" ووحدة واستقلال سوريا أرضاً وشعباً ومؤسساتٍ تحت السقف الوطني، ولكن الأمر الذي يؤخذ على هذه المفاوضات هي أنّها تمّت بين طرفين نقيضين؛ الأول "المجلس الوطني الكردي"، والذي يشارك في كلّ مؤسسات المعارضة السورية مع ذهابه منفرداً إلى هذه المفاوضات، و الطرف الثاني وهو "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني PYD "، والذي يمتلك ميليشياتٍ تُشكّل الذراع العسكرية له، والتي فرضت سلطة أمر واقع على مناطق واسعة من شمال وشرق سوريا، علاوةً على ارتباطه العضوي بـ "حزب العمال الكردستاني"، المضاف إلى قوائم الإرهاب الدولية كتنظيمٍ إرهابي، (الأمر الذي يتبين جليّاَ ليس من خلال رفع شعارات وأعلام وصور القائد أوجلان فحسب، بل من خلال وجود قيادات وكوادر وعناصر من حزب العمال الكردستاني بصورة مباشرة ضمن صفوفهم أيضاً، بالإضافة إلى وجود عناصر ومقاتلين أجانب من مختلف الجنسيات والقوميات). أمّا الإشكال الجوهري الآخر هو علاقة "حزب العمال الكردستاني" الوثيقة بكلٍّ من النظام السوري وإيران.
لذلك كان الأجدر قُبيل البدء في أية مفاوضات أن يقوم "حزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني" بتوضيح موقفه في كلّ من الثورة السورية والنظام السوري، والعمل على إنهاء أي ارتباط له مع "حزب العمال الكردستاني"، مع إخراج جميع العناصر الأجنبية غير السورية من صفوفه، حتى يصار إلى اعتباره طرفاً سورياً آخر مُشاركاً في المفاوضات.
علاوة على ذلك، لا يمكن القبول بهذه المفاوضات بمعزل عن باقي المكونات السورية الحاضرة في الجزيرة السورية، مع العلم أنّ المكون العربي يشكل الغالبية العظمى في المنطقة إلى جانب مكونات أخرى كالسريان والآشوريين والتركمان والأرمن والشركس.
أجندة مفاوضات الوحدة الكردية و"المعلومات المسربة"
طرحت المفاوضات في أجندتها، بالمرحلة الثانية، ملفات مصيرية متعلقة بالمنطقة؛ كإدارة المنطقة، وملفات الأمن والتعليم والاقتصاد والقوى العسكرية، كما صرحت بذلك القيادات في الطرفين، وما استند إليه البيان تحت توصيف (معلومات مسربة) كما ورد في نصه.
" معلومات مسربة " هي معلومات مؤكّدة، وليست بتحليلات أو استنتاجات أو توقعات. هي معلومات لم تعلن بشكل رسمي -حين صدور البيان- الأمر الذي اعتُبر مأخذاً على المشاركين في المفاوضات، مع العلم بأنّها حقائق سُرِّبت عن قيادات في كِلا الطرفين، سواء أكان ذلك على الإعلام أم على وسائل التواصل الاجتماعي، أم في الجلسات الخاصة! الأمر الذي يؤكّد على وجود نية مبيته للقيام بمشاريع مشبوهة غايتها النيل من وحدة وسلامة واستقلال الأراضي السورية.
اتهامات وشكوك
اتهمت الأطراف المشاركة في مفاوضات الوحدة الكردية البيان بأنّه حالة استباقية للنتائج والمخرجات، وأكّدوا بأنّهم سيقومون بإشراك باقي المكونات بعد الانتهاء من الجولة الثانية من التفاوض، الأمر الذي يطرح تساؤلاً آخر فيما إذا كان هذا الاتفاق سيُقدَّم كـ"عقد إذعان" لباقي المكونات؟ أم سيتم إشراك شخصيات من بعض المكونات الأخرى كديكور تجميلي لا أكثر لهذا لاتفاق، الذي يرسخ بقاء الإدارة الذاتية بمشاركة الطرفين وفرض سلطة الأمر الواقع في المنطقة؟
هذا وقد بات واضحاً ولم يعد الأمر خفيّاً، بأنّ كل ما ورد آنفاً ليس بمجرد تسريبات أو هواجس أو شكوك بعدما أعلن وفدا المجلس الوطني الكردي في سوريا وأحزاب الوحدة الوطنية الكردي في الحسكة إنهاء الجولة الأولى من المفاوضات، مع صدور بيان توضيحي في 16 حزيران/ يونيو الجاري، والذي أعلن برعاية ومساعدة نائب المبعوث الأميركي الخاص للتحالف الدولي، السفير ويليام روباكي.
مقررات الإعلان الختامي للجولة الأولى لمفاوضات الوحدة الكردية
تم الاتفاق على "رؤية سياسية مشتركة ملزمة، والوصول إلى تفاهمات أولية، واعتبار اتفاقية دهوك 2014 حول الحكم والشراكة في الإدارة والحماية والدفاع أساساً لمواصلة الحوار والمفاوضات الجارية بين الوفدين بهدف الوصول إلى التوقيع على اتفاقية شاملة في المستقبل القريب".
كما ورد في نص الإعلان الختامي للجولة الأولى من المفاوضات أجندة وبنود سيتم إحالتها إلى اللجنان المختصة بالجولة الثانية للبحث فيها والعمل على تفعيلها، الأمر الذي نرفضه جملة وتفصيلا، ولا يمكن القبول به لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، لاعتبارات خاصة كتعرض الإعلان لقضايا مصيرية وخطيرة تخص السوريين جميعا، وليس أبناء منطقة الجزيرة وشمال وشرق سوريا بحسب، مثل شكل الدولة السورية المقبل، وإبقاء الإدارة الذاتية - المفروضة بالقوة على السوريين- على مع العمل على تطوير شكلها، والاحتفاظ بالقوات العسكرية والأمنية الكردية لـ PYD - YPG مع إشراك قوات بيشمركة "روج أفا" أيضاً.
تساؤلات وحيرة
في النهاية هناك أسئلة واستفهامات حول قضايا محورية، على جميع الأطراف المشاركة في هذه المفاوضات الإجابة عليها وتوضيحها؛ كمصير واردات النفط السوري، الذي يتم توريده للنظام من خلال قوى "الإدارة الذاتية"، متغافلين عن الأوضاع المعيشية الصعبة لسكان مناطق شرق وشمال سوريا.
وفي الختام نؤكد أنّه لا يحق لأي طرف من الأطراف، أياً كان، الاستفراد والاتفاق بهذه الطريقة الفجة وبمعزل عن كل القوى والمكونات السورية، الأمر الذي يؤثر سلباً على مسار الحل السياسي السوري في إطار مقررات جنيف وقرارات مجلس الأمن 2118 و2254 ذات الصلة، حيث إنّ هذه الاتفاقيات والتفاهمات الكردية هي مقدمة تهدد وحدة سوريا وسلامة شعبها ونسيجها الوطني.