قبل نحو أسبوع، نشر موقع سوري معارض، خبراً يفيد بصدور قرار أمني من جانب النظام، يقضي بحرمان فئات من السوريين في الخارج، من إمكانية تجديد جواز السفر. وتسبب الخبر بجدلٍ في أوساط السوريين بالخارج، نظراً لأهمية هذه الوثيقة في حياة شريحة عظمى منهم، في بلدان اللجوء والمهجر.
الخبر الذي نشره موقع "صوت العاصمة"، المعروف بتسريباته عن مصادر داخل أجهزة النظام، أفاد بأن "مكتب الأمن الوطني"، أعلى سلطة أمنية في سوريا، أصدر تعليمات لوزارة الداخلية، تُلغي كل التعميمات السابقة المتعلقة بتسهيل منح جوازات السفر للموجودين خارج سوريا، أياً كان وضعهم العدلي والأمني.
ووفق "المصادر الخاصة" التي نقل عنها الموقع، فإن التعليمات الجديدة تخص المنشقين عن الجيش والأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية، وكذلك الموظفين الحكوميين الذين خرجوا من سوريا من دون موافقة أمنية. ووفق هذه التعليمات، فإنه واعتباراً من مطلع حزيران/يونيو القادم، سيتم حرمان هذه الفئة من السوريين، من الحصول على جواز سفر من السفارات والقنصليات خارج سوريا أو حتى عبر إصدارها من دوائر الهجرة داخل سوريا عبر ذويهم وأقاربهم. وسيتم رفض كل الموافقات الأمنية القادمة من داخل أو خارج سوريا، والتي كان يتوجب على المنشق والفار من وظيفته الحكومية الحصول عليها قبل إصدار الجواز، مع إيقاف كل الاستثناءات والتسهيلات المقدمة لهم.
وأضاف الموقع، أن النظام يملك قوائم بأسماء آلاف الأشخاص الذين انشقوا عن الجيش والأجهزة الأمنية أو من الذين تركوا وظائفهم الحكومية وغادروا سوريا بطرق غير شرعية، على أن ينحصر موضوع إصدار جوازات السفر لهم بإجراء التسويات الأمنية داخل سوريا وتعديل أوضاعهم القانونية.
وقد قُرأ الخبر في أوساط المناوئين للنظام، على أنه تصعيد أمني ضدهم. ورغم أن الفئة المحددة في الخبر، لا تشمل بالضرورة كل المعارضين والناشطين، إلا أن ذلك يمثّل مؤشراً يفيد بأن النظام قد يكون في وارد استخدام سلاح جواز السفر مجدداً، ضد فئات واسعة من السوريين في الخارج.
إن تأكّد الخبر بالفعل، فسيكون مفاجأة، كونه لا يستهدف مصالح السوريين المعنيين به، فقط، بل ويتنافى مع مصالح النظام ذاته.
بدايةً، إن صح الخبر، فهو يمثّل انقلاباً من جانب النظام باتجاه سياسة ما قبل العام 2015، حينما كان يتم حرمان المعارضين من جواز السفر، بين عامي 2011 و2015.
لكن، منذ عام 2015، ألغى النظام اشتراط الموافقة الأمنية على أية خدمات قنصلية يطلبها السوريّ في الخارج، بما فيها جواز السفر، مما فتح الباب أمام مختلف الفئات للتعامل مع القنصليات السورية، دون أية قيود. وباستثناء انتهاكات المعاملة السيئة، وصعوبة الحصول على دور، في بعض القنصليات -كما في القنصلية بإسطنبول مثلاً- كانت تعاملات السوريين مع قنصليات بلدهم، منذ العام 2015، تمرّ بسلاسة مقبولة. في حين كان المشهد بالداخل، مختلفاً، إذ تم توثيق حالات اعتقال لسوريين أثناء إجرائهم معاملات في دوائر الهجرة والجوازات. ووفق "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فقد تم توثيق ما لا يقل عن 1912 حالة اعتقال بين 2011 وحتى شباط/فبراير 2024، بينهم 21 طفلاً و256 سيدة.
وحتى ساعة كتابة هذه السطور، لا نستطيع الجزم بصحة الخبر. وسيتطلب الأمر بضعة أسابيع، اعتباراً من مطلع الشهر القادم، حتى يتم تأكيد أو نفي الخبر، مع ورود شهادات عيان بخصوص ذلك. لكن، إن تأكّد الخبر بالفعل، فسيكون مفاجأة، كونه لا يستهدف مصالح السوريين المعنيين به، فقط، بل ويتنافى مع مصالح النظام ذاته، أيضاً. فالأخير، لم يتجه نحو سياسة الإصدار السلس لوثائق السوريين بالخارج، دون أية قيود، منذ العام 2015، إلا لأسباب وجيهة. وهذه الأسباب ما تزال قائمة، وازدادت وجاهةً في السنوات الأخيرة.
فخدمات السوريين القنصلية، وعلى قمة هرمها، جواز السفر الأغلى في العالم، تشكّل مصدر دخلٍ رئيسياً لخزينة النظام بدمشق.
وقبل أسبوع فقط، نقلت صحيفة "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم، عن خبير اقتصادي، تقديره بأن إيرادات النظام السنوية، من جراء الخدمات القنصلية المقدّمة للسوريين في الخارج، قد تصل إلى ملياري دولار. وهو رقم هائل، لا نستطيع الجزم بدقته، نظراً لأن النظام لا يقدّم أية أرقام رسمية بهذا الخصوص. لكنه رقم غير مستبعد، نظراً لأعداد السوريين التي تتجاوز 6 ملايين، يحتاجون لاستصدار أوراق رسمية من قنصليات بلادهم. وهذا الرقم، يمثّل دخلاً كبيراً لخزينة البلاد، خاصة إن تذكرنا أن موازنة العام 2024، تُقدّر بنحو 2.5 مليار دولار فقط.
ستكون النتيجة الأبرز للقرار، خسارة إيرادات الخدمات القنصلية لآلاف أو عشرات آلاف السوريين، التي كانت تصب في خزينة النظام.
من جانب آخر، فإن القرار –غير المؤكد بعد- سيدفع الفئة المستهدفة لطلب اللجوء من مفوضية اللاجئين، والتخلي تماماً عن الوثائق الرسمية الصادرة عن "الدولة السورية"، نظراً لأنه لا يترك لهم خياراً آخر، إذ يُوجب عليهم تسوية أوضاعهم، في الداخل. وهو ما يعني أنهم –في حال استجابوا- سيكونون معرّضين بشدة للاعتقال والإخفاء القسري، على غرار المئات من أمثالهم، ممن وثقوا بتسويات النظام الأمنية، في السنوات القليلة الفائتة.
وهكذا، ستكون النتيجة الأبرز للقرار، خسارة إيرادات الخدمات القنصلية لآلاف أو عشرات آلاف السوريين، التي كانت تصب في خزينة النظام. ناهيك عن الأثر السياسي السلبي، لهذا القرار، على صعيد علاقة النظام بحكومات الدول المستضيفة للسوريين، التي ستضطر لإيجاد وسائل أخرى، لتوفير وثائق قانونية خاصة بهم، إن تخلى النظام عن دوره كـ "دولة" مسؤولة عن رعاية مصالح مواطنيها، على صعيد الوثائق، بالحد الأدنى.
من جانبنا، نستبعد أن يكون الخبر صحيحاً. لكن، إن تأكد بالفعل، فسيكون ضرره على النظام، لا يقل عن ضرره على السوريين المستهدفين به، إن لم يكن أكثر.