أوباما ينتقد إسرائيل وبن لادن يعود لأميركا

2023.11.18 | 10:53 دمشق

1
+A
حجم الخط
-A

خرج أوباما للمرة الثانية منذ بدء العدوان على غزة ليتحدث عما يجري في فلسطين من وجهة نظره، وكعادة المسؤولين الغربين السابقين ممن تحرروا من عبء المناصب ليتحدثوا بحرية أكثر ويكون لديهم وجهات نظر مختلفة عن تلك التي كانت لديهم حينما كانوا في مناصبهم، انتقد الرئيس الأمريكي السابق جرائم الاحتلال وتحدث عنها بشكل تفصيلي، وقال إن هناك تسعة آلاف مدني تم قتلهم، معظمهم من الأطفال.

وبعد إسهاب من أوباما في الحديث عن أن الرد الإسرائيلي على ما قامت به الفصائل الفلسطينية، يوم 7 تشرين الأول، نتج عنه انتهاكات كثيرة، عاد وأكد على أن أي سلام محتمل في المنطقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين يجب أن يقوم أولاً على مبدأ الحفاظ على أمن إسرائيل وحقها في الوجود.

المظاهرات الحاشدة في عواصم الغرب لم تتوقف وهي في تصاعد مستمر نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي ونتيجة لتماهي قادة الغرب مع قادة دولة الاحتلال في رفضهم لأي حديث عن وقف إطلاق للنار، وانضم المستشار الألماني مؤخراً لجوقة الرافضين، المظاهرات لها جوانب إيجابية عدة فهي من جهة تضغط على صناع القرار لأجل وقف المقتلة ومن جهة أخرى تساعد على كسر سردية الاحتلال وروايته عما  جرى ويجري في فلسطين منذ مئة عام وحتى اليوم.

المظاهرات العارمة جاءت في جانب من جوانبها لكشف زيف الصحافة الغربية والتي تبنت الرواية الإسرائيلية بشكل حرفي، وساهمت في ترويج كل الأكاذيب التي قالتها حكومة الحرب التي يترأسها نتنياهو

 

منذ سنوات طويلة غابت قضية فلسطين عن الشأن العام الغربي، وبات النقاش حولها يقتصر على النخب السياسية والفكرية، وكان نقاشاً بالحد الأدنى لأن الغرب ومعه إسرائيل توهموا أن القضية اقتربت من طي النسيان، وأن الفلسطينيين سيقبلون بالنهاية ببعض الفتات التي سيمنحها لهم الاحتلال، وأيضاً هذه المظاهرات العارمة جاءت في جانب من جوانبها لكشف زيف الصحافة الغربية والتي تبنت الرواية الإسرائيلية بشكل حرفي، وساهمت في ترويج كل الأكاذيب التي قالتها حكومة الحرب التي يترأسها نتنياهو، مؤسسات صحفية كنا نظن أنها عريقة ورصينة تحولت خلال ساعات لما يشبه الإعلام العسكري التابع لجيش الاحتلال،  وتحول مذيعوها لمحققين جنائيين يريدون انتزاع إجابة واحدة تصف حماس بالإرهابية من ضيوفهم.

صحف ومجلات كانت تبهرنا بتحقيقاتها وتعاطيها مع الأحداث وصل بها الانحدار إلى نشر تقرير يتحدث بكل وقاحة عن أن السبب وراء قتل الأطفال في غزة هو أن أهل غزة ينجبون الكثير من الأطفال!، جاء هذا في تقرير للإيكونومست وهناك عشرات التقارير التلفزيونية والمكتوبة كلها جاءت لدعم هذه المذبحة المفتوحة وتبريرها والتأصيل لها أيضاً.

لو نظرنا لهذه المظاهرات ولتصريحات الساسة الغربيين السابقين ممن ينتقدون جرائم الاحتلال على استحياء من زاوية جديدة وبهدوء لاكتشفنا أن هذه المظاهرات والاحتجاجات هي صراع غربي داخلي، أي إنها صراع بين القوى السياسية والمجتمعية على صورة الغرب ومكانته في العالم، الغرب الذي يحكم العالم منفرداً منذ نهاية الحرب العالمية الأولى يتعرض اليوم لهزة عنيفة.

هناك أجيال ولدت بعد حقبة الحرب الباردة ولا تعرف سوى مجموعة القيم والأفكار التي صدرها الغرب لبقية الشعوب وصارت هذه القيم جزءا أساسيا من هوية المواطن الغربي الحديث، وما يجري اليوم أصاب بنية هوية هذا الجيل بخلل وتشوه فحين يتشابه الإعلام الأميركي والأوروبي مع إعلام روسيا الصين وحتى مع الإعلام لدى الأنظمة العربية، فهذا التحول  يفتح كثيرا من الأسئلة والنقاشات لدى الجيل الحالي، وما قصة رسالة أسامة بن لادن للأميركان والتي نشرت قبل عشرين عاماً وعادت اليوم للتداول بقوة سوى مثال على هذه النقاشات والأسئلة التي تحتاج إلى إجابات.

هذه الصراعات الفكرية والإيديولوجية بين النخب الغربية ستستمر طويلاً لأن الشرخ الذي حدث عميق جداً نتيجة الزلزال القيمي الذي حدث

 

بن لادن كان قد تحدث في رسالته المنشورة عام 2002 عن دعم أميركا لإسرائيل وعن حقوق الفلسطينيين لتعود اليوم للتداول وتنتشر بين الشباب الأميركي مثل النار بالهشيم، وأقتبس هنا ما قالته الناشطة الأميركية لينيت أدكينز والتي يتابعها 12 مليون شخص: "أريد من الجميع أن يتوقفوا عن فعل ما يفعلونه الآن ويذهبوا لقراءة رسالة إلى أمريكا، أشعر وكأنني أمرّ بأزمة وجودية الآن".

هذه الصراعات الفكرية والإيديولوجية بين النخب الغربية ستستمر طويلاً لأن الشرخ الذي حدث عميق جداً نتيجة الزلزال القيمي الذي حدث، بالتأكيد هناك متعاطفون كثر في الغرب مع ضحايا الاحتلال من مبدأ إنساني لكن المحرك الأول لهذه المظاهرات والنقاشات سواء الأكاديمية منها أو تلك التي تدور في منصات السوشال ميديا هو صراع غربي غربي أي لا علاقة لنا به ولا علاقة له بنا.

فحين يصر أوباما بكل ما يمثله من رمزية للديمقراطية ونخب اليسار الأميركي والمجتمع المدني الذي جاء منه قبل أن يحكم البيت الأبيض يصر على أن أي سلام قادم بين إسرائيل والعرب يجب أن يضمن بالدرجة الأولى أمن إسرائيل وحقها في الوجود فهذا يعني أن لا فرق عمليا بين ما يقوله هو وبين ما يفعله بايدن الآن، وحين تقول لنا الصحافة الغربية التي كانت عريقة بشكل غير مباشر: المهنية والحياد الصحفي يحددهما الأقوى أي أنك مهني وحيادي بقدر ما أنت قوي أما تلك المبادئ والقواعد المكتوبة فهي فقط ليلتزم بها الضعفاء.. أي لزوم ما يلزم من عدة وعتاد لحكم العالم.