أفغانستان.. هل تغير طالبان خطابها؟

2021.08.18 | 06:46 دمشق

aptopix_afghanistan_95379-6baed.jpg
+A
حجم الخط
-A

وعد الرئيس جو بايدن بأن الانسحاب من أفغانستان سيكون هادئا وآمنا وذلك قبل شهر واحد فقط من بدء تنفيذ خطة خروج القوات الأميركية وحلفائها في "الناتو" من أفغانستان، وفي الغالب لم يتوقع بايدن أن تتمكن طالبان من العودة إلى العاصمة كابول وإلى القصر الرئاسي بالسرعة القياسية التي حصلت.. رغم أن الاتفاق الذي أبرم ينص على ألا تستضيف طالبان أي تنظيمات متشددة، وهذا البند يضمر قبولا أميركيا بوجود طالبان في السلطة، ومع ذلك لم يتوقع القادة الأميركيون أن الحكومة الأفغانية التي يفترض أن تكون منتخبة هي فعليا بتلك الهشاشة التي جعلت الرئيس "المنتخب ديموقراطيا" يسارع إلى الفرار مع زوجته ومقربيه تاركا كل شيء خلفه تحت رحمة طالبان، والحقيقة أن هذا الانهيار يعكس استسلاما من المجتمع الجديد الذي رعته أميركا، لقبضة طالبان وهي تظهر قوة وحضورا وسرعة مكنوها من السيطرة على البلاد حتى قبل أن يكتمل الانسحاب الأميركي.

تدرك طالبان الدرس التاريخي الذي راجعته لمدة عشرين عاما ماضية، وهو أن سقوطها جاء بعد تحالفها مع "القاعدة"

عشرون عاما أمضتها طالبان على رؤوس الجبال وفي أعماق الريف الأفغاني ولم تختفِ للحظة واحدة، رغم أنها عاشت انكماشا هائلا، بعيد دخول القوات الأميركية إلى البلاد، وقد شهد انكماشها مدا وجزرا ومواجهات دموية فقد فيها الشعب الأفغاني أكثر من 100 ألف ضحية، ما بين عسكري ومدني، علاوة على 2500 جندي أميركي، أما تنظيم القاعدة فقد تآكل بمرور الزمن وتحللت عرى الروابط الوثيقة التي ربطته بطالبان، وخاصة بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن، كما أصيب التنظيم بضربة قاصمة أخرى بظهور تنظيم منافس لا يقل تطرفا هو تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يعد العدة اليوم للظهور في أفغانستان، فهذه فرصة عظيمة له ليبرهن على قدرته على التمدد والتكيف والبقاء، وقد يستغل الفوضى العارمة التي نشأت من عملية حلول قوات طالبان محل القوات الأميركية ليسيطر على أماكن هنا وهناك، مستفيدا من حالة انعدام الأمن وقوة الدعاية التي يملكها والتي يمكن أن تجد لها مكانا مناسبا في هذا البلد.

تدرك طالبان الدرس التاريخي الذي راجعته لمدة عشرين عاما ماضية، وهو أن سقوطها جاء بعد تحالفها مع "القاعدة"، المنظمة المنبوذة دوليا والمتهمة بالإرهاب، وهو الدرس الذي يمكن أن تستفيد منه الآن، فمن غير المؤكد أنها ستعقد تحالفات بذات الطريقة مع اختفاء بن لادن، وعدم قدرة الإرهاب على تفريخ شخصية مماثلة، وقد تلجأ إلى محاربة التنظيمات المماثلة وخاصة تنظيم الدولة، لإبقاء سيطرتها المطلقة على البلاد محاوِلةً عدم التفريط بها لصالح أحد في هذه المرة، ليس تأكيدا لاتفاقيتها مع أميركا ولكن تأكيدا لأحقيتها وترسيخا لسيادتها على أفغانستان، وربما ستتصرف هذه المرة كدولة أو كسلطة حاكمة وليس كميليشيا كما كان الأمر زمن الملا عمر، وقد تسابق قادتها إلى الإدلاء بتصريحات معتدلة تريد بها أن تنشر جوا من الطمأنينة لتبسط كامل سيطرتها بهدوء.

مازالت أفكار طالبان التقليدية المتشددة موجودة وتتحكم بتصرفات قادتها، ولكنها تخلصت من هيمنة الهلوسة بالإرهاب ومواجهة العالم به

يمكن أن تلعب حكومة الجارة الحليفة الباكستان، دوراً لتخفف لطالبان من تطرفها الذي كانت عليه في السابق، فالظرف الدولي الآن يختلف عما كان عليه قبل عشرين عاما، وغياب "القاعدة" عن الساحة يعطي لطالبان دافعا أكبر لتتصرف كدولة، ولكن كل ذلك لا يعني أن أفغانستان ستستعيد دورها في وسط الإقليم وتمارس سياسة رشيدة، فتنظيم طالبان ما زال بعيدا عن رؤيا متحضرة لحكم دولة وتنظيم عمليات تنمية وقيادة مجتمع بأساليب حديثة، وما زالت أفكار طالبان التقليدية المتشددة موجودة وتتحكم بتصرفات قادتها، ولكنها تخلصت من هيمنة الهلوسة بالإرهاب ومواجهة العالم به والسعي إلى التحرش بالدول الغربية على غرار عملية 11 سبتمبر/ أيلول 2001، فزمن تلك العمليات الدولية الكبرى قد ولى، وهذا ما تعتقد الولايات المتحدة أنه تم، فأعلنت عن انسحابها على أساسه.