مع استعادة النظام السوري السيطرة على مناطق عدّة، تصاعدت الدعوات، في الدول المجاورة، المطالبة بعودة اللاجئين إلى بلادهم. لكن اللاجئين يرهنون عودتهم بشروط لطالما أُهملت إلى حدّ بعيد في خضم المساعي السياسية الرامية إلى إيجاد حل للنزاع السوري. وفي سبيل فهم مواقف اللاجئين من العودة، أنصت مركز كارنيغي للشرق الأوسط إلى مخاوف مروحة من السوريين- من ذكور وإناث، وشباب ومسنّين – الذين يسعون جاهدين إلى بناء حياة ذات معنى في لبنان والأردن. واللافت أن غالبية اللاجئين، وعلى رغم تفاقم التحديات التي تواجههم - لايرغبون في العودة مالم يتوافر انتقال سياسي يضمن سلامتهم وأمنهم، والوصول إلى القضاء والعدل، وحق العودة إلى مسقط الرأس. وعلى الرغم من أن توفير الفرص الاقتصادية والسكن اللائق يُعدّ من أولوياتهم، إلاّ أنها لا تُعتبر من متطلبات العودة. وفي المرتبة الأولى، أظهرت مواقف اللاجئين بجلاء أن وجود حل سياسي مستدام وعودة جماعية وطوعية هما على السواء رهن عمليات سلام دولية تأخذ أصواتهم بعين الاعتبار.
الاستماع إلى اللاجئين
في مواجهة صعوبات اجتماعية واقتصادية متفاقمة، يشعر اللاجئون بأنهم عالقون بين رحى مطرقة بلدان مضيفة لا ترغب فيهم وبين سندان سورية لايسعهم العودة إليها، وينظر اللاجئون بتشاؤم إلى آفاق اتفاق سلام سوري، وهم يلفظون أي اقتراحات قد تؤدي إلى تذرر سورية، ويعارضون فكرة إنشاء مناطق خفض تصعيد، ولايثقون في المناطق الآمنة.
وشرط اللاجئين الأولي للعودة يتمثّل في ضمان سلامتهم وأمنهم، لكنهم يرون أنه لايمكن تحقيق ذلك من دون انتقال سياسي، وهم لايعتقدون أن في مقدورهم العيش قريباً في سورية التي يتوقون إليها، ولايثق اللاجئون باللاعبين السياسيين الضالعين في سورية، ولايرى شطر راجح من اللاجئين المعارضين للنظام أن المعارضة تمثّلهم فعلياً.
النساء والشباب اليافعون هم أكثر من يخشى العودة إلى سورية، فهم ينظرون بقلق إلى غياب الأمان واحتمال أن يضطهدهم نظام بشار الأسد، ويخشى كثير من الشباب التجنيد العسكري الالزامي.
ومع توالي الحرب فصولاً وتدهور ظروف اللاجئين في البلدان المضيفة، يدرس عدد متزايد من اللاجئين إمكانية التوطّن خارج المنطقة، تحديداً في أوروبا، لكنهم يخشون أن يعجزوا عن العودة إذا ما غادروا الشرق الأوسط. ويتلاشى ببطء معنى فكرة العودة الطوعية للاجئين، فالسياسات المقيّدة في لبنان والأردن قد تحمل اللاجئين على العودة إلى ظروف غير آمنة في سورية، في حين قد تجعل سياسات النظام في سورية - تحديداً تلك المتعلقة بالإسكان وحقوق الملكية والتجنيد العسكري وإجراءات التدقيق - عودتهم عسيرة أو حتى غير محبّذة.
إرساء إجراءات سياسية مُيسِّرة
تقتضي العودة الآمنة والمستدامة للاجئين إرساء إطار عمل يقرّ بالجذور السياسية للأزمة السورية، ولايكتفي باحتساب أبعادها الإنسانية وحسب، وبأن السلام مستحيل من دون العدالة؛ ويعترف بحقّ اللاجئين في العودة إلى مسقط رأسهم، فلايمكن ضمان الأمن والسلامة سوى من خلال عملية سياسية ترسي آليات حكم شاملة، وتضع حدّاً لإفلات المجرمين من العقاب، وتيسّر إعادة الدمج ونزع السلاح، وتوفر القدرة على الوصول إلى القضاء والعدل.
وعلى الرغم من أن إرساء هذه العملية يتطلّب وقتاً، نظراً إلى أن قوات كثيرة تنشط في سورية، حري بجهود الإعداد لعودة اللاجئين أن تبدأ الآن، وقد تشمل هذه الجهود إعداد أصحاب الكفاءة، من محامين سوريين أو مدربين في الشؤون القانونية لاطلاع اللاجئين على حقوقهم والمساهمة في حل كثير من النزاعات المحلية المتوقّعة. وكذلك قد تشمل المساعي هذه إرساء شبكة من الوسطاء المحليين الموثوقين.
وينبغي ألا يساهم تمويل إعادة الإعمار في تعزيز النظام السوري من دون قصد، لذا قد يكون بدء تمويل إعادة الإعمار على نطاق ضيق في مناطق غير خاضعة إلى سيطرة النظام، بديلاً أمثل في دعم مساعي إعادة الإعمار المحلية.
يجب أن يكون التمويل مشروطاً بعودة اللاجئين إلى منازلهم والحصول على ملكياتهم، ولابدّ من إرساء عملية تدقيق تثبت عدم ضلوع الكيانات المحلية التي تتلقى تمويلاً دولياً بجرائم حرب، وتتأكد من أنها ليست واجهة للنظام.
في هذه الأثناء، يجب احترام حق اللاجئين في العودة. وفي سبيل تشجيع البلدان المضيفة على التزام سياسات توفر حاجات اللاجئين الأساسية، حري بالدعم الدولي أن يجمع بين المساعدات الإنسانية والاستثمارات الاقتصادية التي تهدف إلى خلق فرص عمل لمواطني البلدان المضيفة واللاجئين على السواء.
للاطلاع على المادة كاملة يرجى زيارة الرابط