أتراك في مجلس الشعب السوري!

2024.10.28 | 06:34 دمشق

آخر تحديث: 28.10.2024 | 06:34 دمشق

مجلس الشعب
+A
حجم الخط
-A

أسقط مجلس الشعب السوري منذ بضعة أسابيع العضوية عن البرلماني شادي الدبسي مبرراً ذلك بحيازته الجنسية التركية، وبما أن الدبسي اسم قليل التداول في الأوساط السياسية، فقد مر موضوع إسقاط العضوية عنه كحدث عابر وكمصادفة منطقية، حيث يمكن تبرير ذلك بإخفاء عضو المجلس واقعة حصوله على الجنسية التركية إلى أن تم اكتشافها بالمصادفة وتم من بعدها اتخاذ الإجراء الدستوري بحقه..

حدث كهذا لم ينتج عنه سوى إسقاط عضوية البرلماني المذكور من قبل مجلس الشعب وأعضائه مع القليل من الاستهجان والاستنكار لزيادة جرعات الكذب على السوريين المصدقين أكذوبة مجلس الشعب، وبالتالي فهو أمر لا يتطلب التوقف عنده كثيراً في ظل الظروف التي يعيشها السوريون بمن فيهم أعضاء مجلس الشعب ويمكن قفل ذلك الملف وتسجيله كحادثة غش وتلاعب لا توهن من عزيمة الأمة ولا تخدم المؤامرة الكونية التي فشل العالم برمته من خلالها في إسقاط النظام.

وأن تتكرر الحادثة مرة أخرى مع عضو آخر وبعد أيام على الحادثة الأولى وللسبب نفسه، (حيازة الجنسية التركية) فقد يفسر ذلك على أنه إجراء ضمن سلسلة الإجراءات التي تهدف إلى التدقيق في خلفيات أعضاء البرلمان وفيما إذا كان لدى أحدهم مخالفات قانونية ودستورية ضمن حملة الإصلاحات الوهمية التي يروج لها النظام.

ولكن أن يكون هذا البرلماني الثاني هو رجل الأعمال"محمد حمشو" المقرب من ماهر الأسد بل وواجهته الاقتصادية، والغصن المتجذر في شجرة السلطة، فهو أمر يتعدى المخالفات الدستورية الخاصة بحيازة جنسية أخرى، ناهيك عن أنها الجنسية التركية، ويتعدى مجلس الشعب وسلطته على أعضائه، ويبدو منسجماً مع آلية التهام النظام لأتباعه وتآكله من الداخل، ويؤكد مسلسل التصفيات سواء منها الجسدية أو المعنوية ضمن الصراع المحتدم في بنية النظام ذاتها.

قضية محمد حمشو لا يمكن النظر إليها على أنها مجرد حادثة ذات صلة بمجلس الشعب وقوانينه الداخلية، وربما كان البدء بالعضو البرلماني الأول شادي الدبسي تمهيداً لإيجاد خلفية دستورية لتمرير قضية حمشو على أنها في الإطار القانوني ذاته، ذلك أن حمشو يستمد قوته من قربه من السلطة والتصاقه بها وليس من كونه عضواً في مجلس الشعب، ويبدو أن حمشو بات عبئاً على النظام، وبات لا بد من تقليم أظفاره وخلع أسنانه تمهيداً لتجريده من سلطاته، وبعدها قد ينتحر بشكل مفاجئ أو يذهب ضحية حادث سيارة، أو تتم تصفيته بإحدى الطرق التي يستعملها النظام حين ينقلب على خدمه ويصبح التخلص منهم ضرورة حيوية بالنسبة له..

لا يمكن لأعضاء المجلس ولا لرئيسه أن يجرؤوا على اتخاذ قرار من دون الرجوع إلى القيادة أو دون إملاء من القيادة، مهما كان ذلك القرار هامشياً، فما بالك إن كان يخص شخصية ذات وزن وثقل أمني ومقربة من ماهر الأسد مثل حمشو، ولا يمكن الثقة بالذريعة التي ارتكز إليها المجلس (الجنسية التركية)، لأن المجلس لم يبرز أية وثائق تؤكد تلك المزاعم من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مجلس الشعب لن يتجرأ على اتخاذ قرار ضد محمد حمشو بالذات حتى لو كان لديه الجنسية الإسرائيلية، ومن هنا فإن ما فعله المجلس هو مجرد تنفيذ للتعليمات التي تأتيه من القيادة، وهي المهمة الوحيدة لمجلس الشعب. 

وبعيداً عن علاقة حمشو بالسلطة، فإن قضية إسقاط العضوية عنه وعن زميله تزيل ما تبقى من المكياج الذي يضعه مجلس الشعب في محاولة لخديعة الناس بوجود ممثلين عنهم لدى الحكومة

من ناحية أخرى فإن اكتشاف النظام المفاجئ لحيازة العضوين المذكورين على الجنسية التركية أمر لا يمكن أن يكون مقنعاً في ضوء سيطرة الأجهزة الأمنية على الحياة في سوريا وبكل تفاصيلها، فالنظام لا يمنح ترخيصاً لافتتاح كشك لبيع السجائر دون أن يجري تحريات أمنية شاملة عن صاحب الطلب، كما أن لديه ملفات لكل المواطنين ولا يمكن أن تخفى عليه قصة الجنسية الأخرى وخاصة فيما يتعلق بمن يرشح نفسه لمجلس الشعب، كما أن الموالين لا يجرؤون أصلاً على إخفاء أمر كهذا، وتحديداً الجنسية التركية، حيث يصنف النظام تركيا على أنها رأس حربة في المؤامرة الكونية، وأتباعه لا يجرؤون على زيارة تركيا من دون التنسيق مع أجهزة الأمن، ومن هنا ستبدو الرواية هشة للغاية، وسنكون أمام قضية زيف أخرى يحولها مجلس الشعب إلى حقيقة بأوامر من النظام..

وبعيداً عن علاقة حمشو بالسلطة، فإن قضية إسقاط العضوية عنه وعن زميله تزيل ما تبقى من المكياج الذي يضعه مجلس الشعب في محاولة لخديعة الناس بوجود ممثلين عنهم لدى الحكومة، وتُسقط عن مجلس الشعب ما تبقى من شعره المستعار وتضعف حقن البوتوكس وتفسد عمليات التجميل التي حاول النظام من خلالها تزييف حقيقة البرلمان والترويج له على أنه مجلس للشعب، في حين هو مجلس شعب النظام، متنكراً بقناع مجلس الشعب، وهو في حقيقته الواجهة الدستورية المزيفة للقيادة والتي خصصت لإعطاء الصفة الدستورية لجرائم النظام وارتكاباته وتجاوزاته وتحويلها إلى بطولات.

وككل المؤسسات الأخرى التي اختطفها النظام، يلعب مجلس الشعب دور شاهد الزور، ومن أجل ذلك فإن عضويته ممنوعة على أي سوري وطني، بل إن الوطنيين السوريين لا يمكن أن يفكروا بدخول المجلس كأعضاء، فكل من يرشح نفسه لمجلس الشعب السوري ولا سيما بعد العام 2011 لا بد أن تتوفر فيه صفات محددة أولها وأهمها النزعة الانتهازية والبحث عن المكاسب الشخصية بصرف النظر عن مصادرها، والقدرة على تحويل الكذب إلى فضيلة والجريمة إلى بطولة والمتاجرة بمعاناة الشعب.

ولربما كانت حيازة العضوين للجنسية التركية -إن صحت-، تنسجم تماماً مع التركيب الانتهازي من ناحية، ومع ثقة الأعضاء بهشاشة النظام من ناحية أخرى، ومن هنا يأتي بحثهم عن الجنسية البديلة لزيادة المكاسب، وكإجراء احتياطي يمكن استخدامه في اللحظة التي يسقط فيها النظام، حيث يتنصل عضو المجلس حينذاك ليس فقط من مجلس الشعب، بل من الجنسية السورية برمتها، لأن من تنصل من السوريين وأوجاعهم، ومن انحاز لشخص الرئيس على حساب البلد، ومن ارتضى أن يكون جزءاً من الزيف في أحلك الظروف التي تمر بها سوريا، لن يصعب عليه التنصل من هويته حينما تقتضي مصلحته ذلك.. وكذلك فإن قبول الترشح لعضوية مجلس الشعب هو الدليل الأكبر على انتهازية طالب العضوية الذي يعي جيداً أن ذلك المجلس بات مشلولاً وقعيداً ولا حول له ولا قوة ولا مهمة له سوى التسبيح بحمد الرئيس وتمجيده.

لا يخفى ذلك على كل من تسول له نفسه التقدم لعضوية ذلك المجلس، ولا يخفى عليهم أيضاً أن كل من يريد أن يحجز مقعداً تحت قبة ذلك البرلمان يجب أن يتمتع بالقدرة الفائقة على الخنوع والمذلة وتسوُّل رضا النظام، وفي الوقت الذي يمارس فيه الأعضاء المذلولون والخانعون نفوذهم على البسطاء من السوريين خارج المجلس، فإنهم يتنافسون داخله  لإثبات ذلهم وخنوعهم بحسب المعايير المعتمدة للذل والتي وضعتها القيادة كشرط أساسي للنجاح في عضوية المجلس..

إن الحصول سراً على الجنسية التركية، أي جنسية البلد المعادي لسوريا بحسب تصنيف النظام، ورأس الحربة في المؤامرة عليه كما يقول، وإخفاء هذا الأمر من قبل عضوي مجلس الشعب، يتطلب عقوبة أكبر من مجرد إسقاط العضوية، هنا يمكن تبرير اعتقال العضوين ومحاكمتهما وربما حرمانهما من الجنسية السورية إن فعل النظام ذلك، فما ارتكبه العضوان هو بالحد الأدنى جريمة أكبر من المشاركة في المظاهرات، وأكبر من انتقاد النظام وأكبر حتى من المطالبة بإسقاطه، غير أن معايير النظام السيادية تتسامح مع كل من يسيء للوطن وتمارس أقسى أنواع الانتقام لمن يسيء لشخص الرئيس، وما هاتان الحادثتان إلا غيض من فيض..

فيما لو صحت حيازة هذين العضوين للجنسية التركية، فما الذي ستفعله تركيا إن استطاعت تعقب الموضوع والوصول إلى ملابساته؟ هل ستتسامح مع العضوين المذكورين كما فعل النظام، أم إن عليها بدورها أن تتخذ إجراءات بحقهما، أقلها سحب الجنسية التركية عنهما لكي تضمن عدم وجود أتراك في مجلس الشعب السوري..

كلمات مفتاحية