icon
التغطية الحية

مسلسل "تاج".. استهلاك المتخيّل لتوثيق دمشق الأربعينيات بصرياً

2024.03.31 | 13:18 دمشق

آخر تحديث: 31.03.2024 | 15:45 دمشق

تاج
مسلسل تاج
تلفزيون سوريا ـ وائل قيس
+A
حجم الخط
-A

لم يعد غريبًا على الدراما السورية تكرار أو استهلاك القصة ذاتها في أكثر من عمل درامي في كل موسم رمضاني، لكن الأكثر غرابة هو السؤال إن كان هذا التكرار فعلا بريئا من قبيل المصادفة البحتة أم أنه توجّه عامّ ينهجه كتبة السيناريو بأمر من "القيادة العليا" كما حصل مع الحلقتين الافتتاحيتين لمسلسلي "بيت أهلي" (إخراج: تامر إسحاق، سيناريو: فؤاد شربجي)، و"تاج" (إخراج: سامر البرقاوي، سيناريو: عمر أبو سعدة)، في تطرقهما لحادثة اغتيال عبد الرحمن الشهبندر (1879 – 1940)، في الفترة التي كانت تشهد فيها سوريا حراكًا سياسيًا نشطًا ضد الانتداب الفرنسي.

ما بين المتخيل والتوثيقي

على عكس مسلسل "بيت أهلي" (إنتاج شركة قبنض) الذي يُقدم لحادثة اغتيال الشهبندر بصورة ركيكة يستثمر في اجترارها حتى الحلقة الـ20 مما يُفرغ الشخصية من بعدها السياسي في التاريخ السوري، فإن "تاج" – موضوع هذه المراجعة – ينتهي من قصة الاغتيال في الحلقة الثانية، منتقلًا لرواية قصة تاج الدين الحمّال (تيم حسن)، الملاكم والخياط، والمعروف بالاسم الحركي "المقص" ضمن مجموعة "القمصان الحديدية" التي تقاوم الاحتلال الفرنسي في أربعينيات القرن الماضي. وطبعًا لا شيء حقيقيا في هذه القصة، إلا المعالم التاريخية لدمشق الأربعينيات، والاستثمار في بعض الشخصيات الواقعية في الحياة السياسية لتلك الحقبة التاريخية المهمة من تاريخ سوريا المعاصر.

ما كان ملاحظًا تنبيه صُناع العمل في بيان إخلاء المسؤولية إلى أنه يجمع ما بين المتخيّل والتوثيقي، يقول البيان: "بعض الأحداث الواردة في المسلسل وشخصياته وأماكنه هي من وحي الخيال المستلهم من المرحلة الزمنية تم توظيفها لأسباب درامية، ولا تعتبر حقيقة تاريخية"، تنبيه تناسى أو نسِيَ صُناعه الإشارة إليه حتى الحلقة الثامنة "الطائرة الألمانية" لأول مرة، ما يؤكد أن صُناع المسلسل، بما فيهم طاقم الكتابة والمراجعة التاريخية، ركّزوا على نقل الجانب المعماري/البصري أكثر من الشخصيات الواقعية.

لا شيء من قصة الشخصيات المحركة للقصة تبدو واقعية إلا ما ندر، منها ظهور شكري القوتلي (باسل حيدر)، جنبًا إلى جنب مع مالك نادي الملاكمة الصابوني (موفق الأحمد)، والصحفي سليم (كفاح الخوص)، على أن الصابوني هو محاكاة لقصة الضابط المتقاعد في الجيش التركي، خالد بك الرومي، مؤسس أول نادي ملاكمة في سوريا، بالاشتراك مع محمد أديب كمال بك نحو سنة 1925، بينما يمثل سليم نموذجًا للصحافة السورية التي كانت نشطة في تلك الفترة ضد الاحتلال الفرنسي، لكن هذه الشخصيات التي كان لها دور بارز في مقاومة الفرنسيين تظهر هامشية مقارنة بشخصية تاج المحرك والبطل الرئيسي للقصة.

نص مستهلك للبطل الشعبي

يُحسب لمسلسل "تاج" (إنتاج الصبّاح إخوان) ابتعاده عن تقديم الصورة النمطية لدمشق الأربعينيات، وهو بدلًا من ذلك يقدم صورة مختلفة لدمشق التي عرفناها في مسلسلات البيئة الشامية عبر تصميم مدينة كاملة تحاكي التفاصيل المعمارية لتلك الحقبة التاريخية، من مدرسة الراهبات الفرنسيسكان حتى خط تراموي دمشق، وساحة المرجة الشهيرة في وسط العاصمة دمشق، مدعومة بمشاهد الشاشة الخضراء (CGI) المصممة بحرفية عالية، وأزياء طاقم التمثيل التي تعكس الصورة الحضارية لدمشق، ما يجعل مشاهدته مريحة للجمهور الذي نادرًا ما يشاهد مثل هذه الأعمال المشتغلة بحرفية تحترم الذائقة الفنية.

ومع ذلك، فإن القصة لا تخرج عن النص المستهلك للبطل الشعبي/ الفرد، عندما يُتهم تاج بخيانة أصدقائه، ويتحوّل بعدها إلى الثمل وصالات القمار للهروب من هذه التهمة، ومثل جميع الأبطال الشعبيين الذين يظلمهم محيطهم الاجتماعي، يعيش تاج حالة من الخسارة بانفصال زوجته نوران (فايا يونان) عنه، وزواجها من رياض الجوهر (بسام كوسا)، العميل المزدوج وسبب جميع مصائب تاج العائلية. لكن علينا عدم التردد بتوقّع انتصار تاج في نهاية المسلسل، حكمًا بالنهايات السعيدة لهذا النمط الدرامي، وربط هذه النهاية السعيدة باستقلال سوريا.

يرفع صُناع "تاج" السقف عاليًا في هذا الموسم الرمضاني بتقديمهم في بعض المشاهد حوارات وإيحاءات جنسية يندر وجودها في المسلسلات السورية، منها على سبيل المثال لا الحصر، مشهد التحقيق بين الكولونيل جول (جوزيف بو نصّار) وحنان (دوجانا عيسى)، وكذلك تناقل الصور السادية المصوّرة في قبو منزل رياض الجوهر. كل هذا يصب في سياق تقديم عمل درامي خارج عن المألوف، لكن رهان الشركة المنتجة كان مخالفًا للتوقعات بعدم تحقيق المسلسل أي ضجة عربية تُذكر، على الرغم من الكُلفة الإنتاجية العالية، لتبقى كل هذه الضجة تدور في فضاء الجغرافيا السورية.

قد يكون الاعتماد على نجم كبير من طراز بسام كوسا، أو المراهنة على فايا يونان بتقديم أول عمل درامي لها، خيار من بين مجموعة الخيارات الأخرى يُراهن على نجاح مسلسل "تاج"، لكنه خيار لا يخلو من المغامرة في ظل السوق التنافسية التي فرضتها خدمات البث المباشر العربية، بما فيها خدمة شاهد نت، الجهة العارضة للمسلسل، بالاشتراك مع قناتي MBC1 السعودية والجديد اللبنانية، وفي جردة سريعة على أعمال شاهد نت للموسم الرمضاني الحالي، نجد أن في رصيدها ما لا يقل عن 24 عملًا دراميًا عربيًا لشهر رمضان فقط، وهو عدد كبير ومُرهق لجمهور الخدمة المتنوّع.

إفراغ الشخصيات من دورها السياسي

كان من الممكن للعمل أن يكون توثيقيًا لحراك رجالات الكتلة الوطنية سياسيًا في تلك الفترة على حساب المتخيّل وغير الواقعي لشخصية تاج، فهو على عكس مثل هذه الأعمال يقدم سردًا تاريخيًا سريعًا، وعلى عجل للصراع الألماني – الفرنسي على سوريا قبل الحرب العالمية الثانية، والصراع الاستخباري الفرنسي – الإنكليزي خلال الحرب العالمية الثانية، فضلًا عن خروج حكومة فيشي المتحالفة مع ألمانيا النازية من سوريا، ويمكن إسقاط ذلك على الظهور النادر والثانوي لشكري القوتلي، في حين يغيب فارس الخوري عن دائرة الضوء، ويلقي الضوء سريعًا على استشهاد أحمد مريود، كل هذه الخلطة السريعة تظهر التهميش المُفتعل لدور هذه الأسماء في استقلال سوريا.

يظهر الاعتماد على الشخصيات السياسية التاريخية في "تاج" لمنح العمل مزيدا من الصدقية، والبعد التوثيقي أكثر من الواقعي، فالإشارة مثلًا إلى حادثة اغتيال الشهبندر لا يسبقها أو يلحقها أي تعريف بالدور السياسي البارز للطبيب الدمشقي، وهو محاولة لإفراغ الشخصيات – بشكل عام – من دورها السياسي، والتركّيز بدلًا من ذلك على سردية استهداف سوريا من القوى الغربية، وهي سردية تناسب النظام السوري، ومطلوب طرحها لإعادة تصويب وشد العصب القومي/العروبي.

تيم حسن والخروج من ظل جبل

يحاول تيم حسن في دور الملاكم المناضل تاج الخروج من ظل شخصية جبل شيخ الجبل وعاصي الزند على الرغم من الزلات التقنية، وهي محاولة تأتي على حساب ظهور بسام كوسا بدور المنافس والعدو الشخصي لتاج/المقص، إلا أن كوسا نفسه يظهر مُقنعًا في شخصية نعمان الزير في "مال القبان" أكثر من شخصية الخياط الدمشقي والعميل المزدوج، بينما تحاول فايا يونان البحث عن مساحتها المُحاصرة بين تاج ورياض الجوهر في أداء مرتبك يكاد يكون أقل من العادي.

بينما تُقدم ملاك الكنعان دور العميلة الإنكليزية جيني بطريقة مميزة، شخصية جامدة وخالية من المشاعر كما يجب لها أن تكون، فقد استطاعت أن تسجل حضورا مميزا على الرغم من قلة مشاهدها؛ حتى باقي الطاقم، بما فيهم موفق الأحمد، كفاح الخوص، لويس قزق، فرح الدبيات، إيهاب شعبان، جوزيف بو نصّار، باسل حيدر، يقدمون مع باقي الطاقم أداءً متميزًا، ساعدهم على ذلك المؤثرات البصرية والأزياء التي تحاكي جمالية الحياة الاجتماعية والتاريخية لدمشق الأربعينيات.  

 الخلاصة

لا شيء يدل على أن مسلسل "تاج" قد فشل بالتوثيق البصري للحياة الاجتماعية والسياسية لدمشق في السنوات الأخيرة للانتداب الفرنسي، مثل عدم فشله بإبهارنا بصريًا وفنيًا، لكن الفشل الأول والأخير جاء على حساب القصة نفسها، قصة مستهلكة دراميًا تتخيّل أبطالًا شعبيين في مقابل تهميش يمكن وصفه بـ"المتعمّد" للشخصيات الواقعية، هدفه إيصال رسائل مباشرة وغير مباشرة تعتمد على التوثيق البصري فقط، وهما من العوامل المهمة التي تجعل الشراكة بين الثلاثي حسن والبرقاوي وأبو سعدة في هذا المسلسل خارج سباق المنافسة في الموسم الرمضاني للعام الثاني على التوالي.