icon
التغطية الحية

"مرآة دمشق".. انعكاس لتاريخ قديم انتهى بالثورة السورية

2022.04.14 | 07:22 دمشق

fotoram.io_3.jpg
أحمد العربي
+A
حجم الخط
-A

"مرآة دمشق" هو عنوان كتاب شامل للباحث الفرنسي المختص في الشرق الأوسط والقضايا العربية جان بيير فيليو، حيث يعود إلى بدايات التاريخ البشري حول بلادنا حيث يزيد عمر دمشق وحلب كمدن مأهولة على ستة إلى سبعة آلاف سنة. 

  • المسيحية و القديسان بولص وبطرس

يتحدث جان بيير فيليو في كتابه المترجم عن "دار ميسلون" للعربية عام 2019، عن تاريخ منطقة الشرق الأوسط وامتدادها العربي، وأنها في قلب الحراك الدولي منذ آلاف السنين، سواء على مستوى التجارة ومجال الإمبراطوريات الفارسية والرومية والمغولية والإسلامية، هذا غير أنها مركز ولادة الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام.  

وهيمن اليهود في فلسطين زمن السيد المسيح الذين صلبوه ونال من العذاب الكثير، وتابع حواريو المسيح دعوته وكان أهمهم بطرس الذي سيلتقي لاحقاً مع بولص الذي جاءته الرؤيا وانتقل من اليهودية ومن ظلم الرومان ليصبح أحد القديسين المعتمدين عند المسيحيين. 

وبعد ذلك أصبح قسطنطين ابن هيلانة الحمصية إمبراطوراً، معلناً المسيحية ديناً للإمبراطورية الرومانية، ومع ذلك لا تنتهي الاختلافات المسيحية.

وتعددت الاعتقادات حول السيد المسيح هل هو الإله بطبيعة روحية أم روحية وجسدية، لم يمر ذلك دون حروب وصراعات وتشكلت كنائس شرقية وغربية، تولدت كنيسة في قسطنطينية آيا صوفيا لاحقا منافسة كنيسة الفاتيكان وتعددت المراجع المسيحية شرقية وغربية. 

كل تلك التحولات والتطورات حصلت عبر آلاف السنين وفيها حروب كثيرة، والتجارة حاضرة كل الوقت.

  • دولة الإسلام

ولم تكن الجزيرة العربية وفي قلبها مكة والمدينة سوى صحراء لم يفكر الغزاة من كل الأمم بعبورها، في حين كانوا يتصارعون على أطرافها؛ لكن انبثق من قلب الجزيرة العربية الدين الجديد الإسلام على يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ابن الفرع الهاشمي لقبيلة قريش، لن يتقبل أهل قريش الدين الجديد لكن النبي سيجد طريقه نحو الانتشار والانتصار خاصة بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، ويعيد فتح مكة لتعود مجدداً إلى ريادة الفتح الإسلامي، الذي سيبدأ من عصر الرسول ويتابعه الخلفاء الأربعة، مع ما يصاحب فترة حكمهم من إشكالات الحكم وشرعيته. 

ويرى الكاتب أن مقتل الخليفة عثمان بن عفان ثم خلاف علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان على شرعية الحكم، ودخول المسلمين بدماء بعضهم وسيطرة الأخير وتعيين نفسه حاكماً مطلقاً بعد مقتل الخليفة علي على يد الخوارج.

وفي نقطة التحول تلك أصبح الحكم وراثياً في بني أمية على يد معاوية الذي ولى ابنه يزيد الإمارة بعد موته، حيث عادت الصراعات على الحكم مجدداً بين شيعة علي بقيادة ابنه الحسين وجيش يزيد في كربلاء ما أدى إلى مقتل الحسين وكثير من آل البيت، وتولد مظلومية تاريخية ستفرز بعد وقت الافتراق الشيعي السني الذي مازلنا نحصد ثمار استغلاله ضد المسلمين للآن.  

  • دول وإمارات وإمبراطوريات

وهكذا استطاع الحكم الإسلامي الانتقال من حيز الجزيرة العربية ليتوسع في العالم على حساب الإمبراطورية الفارسية التي سقطت واندثرت. كما طاردت الدولة الإسلامية الإمبراطورية الرومانية حتى القسطنطينية وأسقطتها في عهد العثمانيين، وبدأت تتوغل في قلب أوروبا، ولم يكن خط التطور هذا دون منعرجات ونكسات وتراجعات وصراعات. لقد امتد الحكم الأموي لقرن من الزمن، وامتد الحكم العباسي لأكثر من خمسة قرون وبعدها فترة زمنية امتدت لثلاثة قرون شهدت حكم المماليك والفاطميين وغيرهم من سلطات مختلفة متناحرة على خريطة العالم الإسلامي الممتد.  

ولم يكف الغرب الأوروبي عن إرسال جيوشه إلى المشرق تحت دعاوى "صليبية" جاؤوا خلالها وقاتلوا واحتلوا مساحات واسعة في بلاد الشام، وبعد كر وفر وصراع متقطع استمر لثلاثة قرون انتهى عهدهم على يد صلاح الدين الأيوبي وجيش المسلمين.

  • الغرب الرأسمالي يتمدد في الشرق

لم يستسلم الغرب للسلطنة العثمانية التي توسعت داخل أراضيه لعدة قرون، حيث قامت بداية بصدها والدفاع عن حدودها، ثم استفحلت قوتها وأخذت بالتغلغل فيها بدعوى رعاية العمليات التجارية لرعاياها، ثم بحماية مصالح الأقليات الدينية والطائفية.

وعمل الفرنسيون على رعاية مصالح الموارنة في لبنان في الوقت الذي رعا فيه الروس مصالح الروم الأرذوكس وكذلك الدروز، ولم تسلم الولايات العثمانية من صراع مصالح هذه الدول بحيث أنتجت حروباً ومجازر دموية بين مكونات هذه البلاد، نموذجها الحرب الأهلية اللبنانية ١٨٦٠ بين المسيحيين والدروز مع سقوط الآلاف وتدخل الأمير عبد القادر الجزائري لمنع سفك دماء المسيحيين ودوره في وأد المذبحة ومنع تمددها من لبنان إلى سوريا.

وهكذا سرعان ما زادت شهية الغرب فرنسا وبريطانيا لإسقاط السلطنة العثمانية وتقاسمها في الحرب العالمية الأولى وما تلاها من دعم الشريف حسين وجيوشه ومن ثم خيانتهم، وتنفيذ اتفاق سايكس بيكو لتقسيم بلاد الشام، إلى جانب العمل على تنفيذ وعد بلفور بإعطاء فلسطين كوطن قومي لليهود.

  • الفرنسيون في دمشق

دخل غورو دمشق بالقوة العسكرية، وذهب لقبر صلاح الدين وخاطبه "عدنا يا صلاح الدين"، مؤكداً على استمرارية الحروب الصليبية والطمع الغربي في هذه البلاد الغنية.

استعمر الفرنسيون سوريا عقدين ونصفاً، حاولوا بكل قوة أن يقسموا محافظات سوريا إلى عدة دول طائفية، لكن لم ينجحوا ولم ييئسوا، حيث شكلوا بنية عسكرية ذات طابع طائفي من الأقليات الطائفية والعرقية، واستخدموهم في قمع الثورات السورية التي لم تتوقف أبداً، وفق الكاتب.

في المقابل لم يتوقف الشعب السوري وقواه الوطنية الحية عن النضال العسكري والسياسي ضد المحتل الفرنسي حتى تم  نزع الاستقلال في نيسان 1946، حيث كانت النهاية دموية بقصف الفرنسيين العاصمة السورية دمشق ومبنى البرلمان السوري ما أدى إلى سقوط الكثير من الضحايا.

  • دكتاتورية الأسد الأب

بعد جلاء فرنسا استقلت سوريا ودخلت في حياة برلمانية قصيرة ثم في انقلابات متتالية للدول الغربية دور رئيسي فيها، ومن ثم حصلت الوحدة مع مصر ثم الانفصال وصولاً إلى انقلاب آذار 1963، الذي يسلم السلطة للبعث ثم يستولي الجناح العسكري عليها وتصبح مطلقة بيد الأسد الأب بصبغة طائفية.

 شغل حافظ الأسد منصب وزير الدفاع وخسر الجولان في حرب 1967 إلى أن استفرد بالسلطة، كان دمويا جداً مع الإسلاميين في الثمانينيات، معلناً نفسه الحاكم المطلق لسوريا. 

اتفق حافظ الأسد مع أميركا عبر كيسنجر عام 1974 وأنتج اتفاق فك الاشتباك في الجولان. ما أعطى الأسد الأب دوراً في المنطقة بالتوافق مع الأميركان، والروس حلفائه السابقين. 

كما دخل حافظ الأسد لبنان، وقضى على الثورة الفلسطينية، وتحالف مع إيران الخميني وحزب الله طفلها الوليد في لبنان، ثم صنع إمبراطوريته وامتداده، ليخلق الإرهاب ويحاربه، ضد العراق تحت حكم صدام حسين، ومشاركاً في تحرير الكويت من غزوه، وأخيراً مشاركاً في مفاوضات السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر الوسيط الأميركي.

  • الأسد الابن والثورة السورية

كان انتقال السلطة للأسد الابن سلساً ومدروساً بدقة، فقد أصبحت قوى الأمن والجيش ذات ولاء مطلق للأسد وعائلته، غيّر الدستور وانتخب بوقت قياسي. وعمل على خداع الشعب بلعبة الإصلاح أول سنوات حكمه ثم عاد أسوأ من قبل عبر دولة أمنية وقمعية. 

وفي ظل ذلك، غير المسار الاقتصادي البلد، وحول الدولة والمجتمع إلى مزرعة لبشار الأسد وعائلته وعصابته الحاكمة. وعندما قامت الثورة السورية في ربيع 2011 واجهها بعنف دموي ذكّرت بأفعال المغول في سوريا، وفق تعبير الكاتب.

قتل بشار الأسد مئات الآلاف من الشعب السوري، وخلف ملايين المصابين والمهجرين الهاربين من الموت، جاعلاً البلاد مدمرة والحياة مستحيلة. 

واستجلب الأسد الابن الإيرانيين وحزب الله والمرتزقة الطائفيين، معيدين إحياء الصراع الشيعي السني الآفل، ثم حضر الروس بقوتهم العسكرية التدميرية، حيث ركز الكاتب على الهجوم الروسي على حلب وتدميرها في عام 2016، منهياً الكتاب بمقارنته بين تيمورلنك والأسد الابن، مؤكداً أنهما قتلا الكثير من السوريين، لكن بشار الأسد انفرد بأنه النموذج الأول الذي سيضعه التاريخ بين أسوأ الطغاة الذين قتلوا وشردوا الملايين من شعبهم بعد أن دمر بلدهم وسلمها للمحتلين من دول العالم.