فرنجية لا يزال أقوى المرشحين لرئاسة لبنان

2022.12.16 | 06:32 دمشق

فرنجية لا يزال أقوى المرشحين لرئاسة لبنان
+A
حجم الخط
-A

على الرغم من الحديث عن تصدّر اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون، لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية اللبنانية الشاغرة منذ أكثر من شهر، والكشف عن مشاورات تدور في دوائر القرار الغربية عن تزكية اسمه، إلاّ أنّ اسم الوزير السابق حليف حزب الله والنظام السوري، سليمان فرنجية، ما زال الأكثر جدية والأقوى حتى اللحظة.

الإشارات التي تصل إلى دوائر القرار اللبناني مقبلة من الخارج، كلّها تفيد بأنّ الاستحقاق "لبنانيّ بامتياز". وأن الأطراف الدولية ليست بوارد التدخل من أجل فرض تسوية لصالح أيّ من المرشحين، كما أنّها ترى في الإصلاحات الاقتصادية ممراً إلزامية لأيّ مساعدة وُجهتها لبنان.  

وبما أن طريق الإصلاحات متعثّر وصعب، فإن "تقريش" هذا الكلام في الداخل اللبناني وفق حسابات موازين القوى السياسية، يعني أنّ المرشّح الأقوى لرئاسة الجمهورية اللبنانية ما زال حتى اللحظة هو مرشح "حزب الله" المستتر، سليمان فرنجية.

ما يمنع "حزب الله" اليوم من إيصال فرنجية، ليست قوة المعارضين داخل البرلمان، وإنّما بسبب الخلافات داخل معسكر الحزب

الدلالات على هذا الكلام كثيرة، وهي مفنّدة بالنقاط على الشكل التالي:

1. "حزب الله" هو اللاعب الأوحد على الساحة اللبنانية. هو من يقرّر من سيكون المرشح للرئاسة ويدعو الجميع للتصديق على قراره من خلال ما يعتبره "التوافق"، خصوصاً في ظلّ الانقسام المسيحي. وما يمنع "حزب الله" اليوم من إيصال فرنجية، ليست قوة المعارضين داخل البرلمان، وإنّما بسبب الخلافات داخل معسكر الحزب، ورفض حليفه المسيحي رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل السير بفرنجية فقط. وبالتالي فإنّ حلّ المشكلة مع باسيل سيفتح الطريق ويعبّدها أمام وصول فرنجية إلى بعبدا، وهذا الأمر بحاجة لمزيد من الوقت.

2. انتخاب قائد الجيش جوزيف عون لرئاسة الجمهورية بحاجة إلى تعديل المادة 49 من الدستور، التي تقول إنه "لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد". هذا التعديل بحاجة إلى أغلبية الثلثين من عدد النواب الـ128، هو ما زال محطّ رفض بعض الكتل النيابية التي ترفض وصول "عسكريّ" إلى الرئاسة. على رأس هؤلاء كتلتا ثنائي "حزب الله" و"حركة أمل"، وقد أعلن عن ذلك صراحة رئيس مجلس النواب نبيه برّي في أكثر من تصريح إعلامي.

3. ثمّة إشارات برزت أخيراً، تفيد بإظهار حزب "القوات اللبنانية" شيء من "اللين" تجاه رفض انتخاب فرنجية. القوات التي تدعم ترشيح النائب المعارض ميشال معوض وتصوت له إلى جانب عدد من الكتل المعارِضة من دون بلوغه عدد الأصوات المطلوب، فتحت مؤخراً باب الحوار مع حزب فرنجية (حزب "المَرَدَة") وتحديداً بين النائبين القوات ملحم رياشي وابن فرنجية نفسه النائب طوني فرنجية. كما أعلنت القوات في الوقت نفسه، أنّها لا تمانع وصول أي مرشح بطريقة ديمقراطية، ملمحة إلى عدم مقاطعة جلسات الانتخاب حتى لو كان فرنجية هو المرشح الذي سيصل إلى الرئاسة. وبعض المراقبين يضعون لين الموقف "القواتي" في خانة حساب "خط الرجعة"، خصوصاً في حال أبدت المملكة العربية السعودية عدم ممانعتها في انتخاب فرنجية رئيساً في المستقبل.

4. وجود كتل ونواب مستقلين، ظاهرهم معارض أو محايد، لكن باطنهم لا يمانع انتخاب فرنجية على قاعدة "التوافق"، هؤلاء ينتظرون تخلّي "حزب الله" وحلفائهم عن خيار الاقتراع بالورقة البيضاء، والتحوّل إلى الاقتراع باسم فرنجية بشكل علني حتى يبدؤوا بالمجاهرة بهذا الموقف. من بين هذه الكتل عدد من النواب السُنّة المحسوبين سابقاً على تيار الرئيس سعد الحريري ("تيار المستقبل" وعددهم أكثر من 6 نواب وأقل من 10)، وربّما يضاف إليهم نواب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي أبدى استعداده للتخلي عن خيار معوض، في حال حصل توافق أكبر على اسم فرنجية.

"حزب الله" حينما تريّث في تبني ترشيح فرنجية بالاسم، وفضّل الاقتراع بالورقة البيضاء، كان ينتظر المجتمع الدولي أن يلاقيه في منتصف الطريق

5. حديث مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق السفير ديفيد هيل، الذي حضر إلى بيروت قبل أيام بمهمة بحثية لصالح "مركز ويلسون للدراسات"، وأكد لكل من التقاه من النواب والشخصيات اللبنانية أنّ الدول الغربية "منشغلة بشكل كامل بهمومها الاقتصادية والسياسية" نتيجة الحرب في أوكرانيا، ولا تعطي لبنان أي أولوية الآن، وأنّ اللبنانيين عليهم أن "يعملوا لإيجاد رئيسهم المناسب". وهذا ما كان قد سبقه إليه منذ سنوات السفير الأميركي الأسبق جيفري فيلتمن في إحدى الندوات عن لبنان، يوم أكد بُعيد انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، أنّ إدارة الأخير ليس لديها أي أجندة خاصة بالداخل اللبناني.

في المحصلة، فإنّ "حزب الله" حينما تريّث في تبني ترشيح فرنجية بالاسم، وفضّل الاقتراع بالورقة البيضاء، كان ينتظر المجتمع الدولي أن يلاقيه في منتصف الطريق، ويقابل مرونته بإظهار بوادر حلّ لناحية فكّ العزلة عن لبنان، وبالتالي الإغداق على السلطات اللبنانية بالمساعدات.

لكن يبدو أنّ هذا المسار مقفل كلي حتى اللحظة، بينما يصرّ المجتمع الدولي (ومن ضمنه المملكة العربية السعودية) على طلب تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية سبيلاً لبدء المساعدة بمعزل عن اسم الرئيس. وبالتالي فإن هذه المعطيات قد تقود الحزب مستقبلاً إلى التشدّد في تبني ترشيح فرنجية، خصوصاً أنّ طريق الإصلاحات شائك ويهدد المنظومة السياسية كلّها في لبنان.

في حال استدرك الحزب أن المجتمع الدولي لا يهتم لـ "عَرضه الرئاسي"، (وبدأ يتلمّس هذا) قد يجد الحزب نفسه محرجاً في التخلي عن فرنجية من دون مقابل. عندها أيضاً قد يفرض مرشحه ويضع الجميع أمام الأمر الواقع، لكن بأثمان ستكون حتماً مكلفة وباهظة.