"عندما سُمح لليهودية بالغناء".. مكيدة اليوروفيجن

2024.05.11 | 15:21 دمشق

Eurovision
+A
حجم الخط
-A

"سُمح لليهودية بالغناء في مدينة من الصعب أن تكون فيها يهودياً".. هذا ما كتبه رسام الكاريكاتير النرويجي الشهير رور هاغن، في تعليقه بالأمس على صورة كاريكاتور من رسمه حول مشاركة إسرائيل في التصفيات ما قبل النهائية لمسابقة الأغاني الأوروبية (يوروفيجين) التي تقام في مدينة مالمو في السويد.

في الساعة التاسعة من مساء الجمعة 10 أيار، نشر هاغن هذه الصورة على صفحته في فيس بوك مع التعليق الذي يبدو بريئاً، لكنه ليس كذلك أبداً. تعليق في سطر واحد فوق الصورة، أشعل مواقع التواصل الاجتماعي في النرويج. بوست يريد أن يقول فيه إن كل تلك الساعات الطويلة التي تجمع فيها آلاف المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في شوارع مدينة مالمو لإظهار دعمهم لشعب غزة ما هي إلاّ محاولات لمنع فتاة يهودية من الغناء في مدينة أصبحت كلها مسلمين ولا مكان لليهود فيها.

بهذه الصفاقة والقذارة يعبّر هاغن عن المشكلة ونجده يكرر نفس الأسطوانة ليتهم جميع منتقدي إجرام اسرائيل بمعاداة السامية. هاغن الفنان المعروف والذي من المفترض أنه يتمتع ببعض أخلاق الصدق والنبل الإنساني، تراه يغوص في وحل الرخص والتنكر لمعاناة الشعب الفلسطيني ليعلب كرت الجوكر الرابح بحجة دفاعه عن الفتاة  اليهودية "الضحية المسكينة".

لم تمر دقائق قليلة حتى بدأت هذه الصورة رحلتها المظلمة عبر الشبكة العنكبوتية وبدأت تلف وتدور وكأنها رحلة في قطارات الجيوش النازية إبان الحرب العالمية الثانية رحلة مكللة بالسواد تحمل الموت ورسائل الحقد وكلمات السم المعسول بادعاءات السلم والتسامح، كتابات تهاجم الفلسطينيين والعرب والمسلمين والأجانب وتذكرهم بعنفهم ومعاركهم في أفغانستان وهجمات 11 من أيلول و.. و..، لكن بنفس الوقت تمجد إسرائيل وتبجلها وتتضامن مع "مآسي اليهود المتكررة والمستمرة والممتدة عبر التاريخ"، وفي الحقيقة رغم تفهمي لجزء من غضبهم بل ولربما أتفق معهم في كثير من حالة الإدانة لمظاهر العنف والقتل التي كان المدنيون أهدافا لها في شتى أنحاء العالم، إلا أنني تفاجأت أين كانت هذه الجيوش مخفية؟ أين كان مختبئا كل هذا الكره؟. كيف وبهذه السرعة اجتمع معظم أصدقاء وداعمي إسرائيل دفعة واحدة حول هذه الصورة وبدؤوا تداولها مع حملة تأييد ودعم غير مسبوق للدولة الصهيونية حتى إن حدهم أخذه الحماس وكتب حرفياً: "إن رسم وتعليق رور هاغن يقول ما يقوله سكان أوروبا بكاملهم".

لم تمر دقائق قليلة حتى بدأت هذه الصورة رحلتها المظلمة عبر الشبكة العنكبوتية وبدأت تلف وتدور وكأنها رحلة في قطارات الجيوش النازية إبان الحرب العالمية الثانية رحلة مكللة بالسواد تحمل الموت ورسائل الحقد

وازداد الموقف حدة لاسيما بعد أن تسرب أمس عبر خطأ فني أن 40% من الأصوات كانت لصالح إسرائيل، مما يجعلها ضمن المرشحين للفوز بمسابقة الأغنية الأوروبية .

إذا كان من الممكن أحياناً تفهم انفعالية بعض الغاضبين وكتاباتهم العدائية لكن أن تتصدر مقالة لرئيسة تحرير القسم السياسي في واحدة من  أكبر ثلاث صحف نرويجية (فيغا) VG واسمها فروي جودبراندسن لتستخدم نفس الصورة وتكتب مقالة افتتاحية بعنوان عريض "نعم، يمكن لإسرائيل أن تفوز باليوروفيجن. ولكن لا ينبغي تفسير ذلك على أنه تأييد لوحشية نتنياهو في غزة".

في مقالتها المسمومة تحاول جودبراندسن أن تقلل من أهمية الحدث في حال فازت إسرائيل، بل وتركز على أن هذه المسابقة هي فنية وموسيقية بحتة وبالتالي لا يوجد فيها أي دلالة على انحياز المصوتين لإسرائيل ودعمها في جرائمها ضد غزة.

هي تكذب وتعرف أنها تكذب وخاصة أنها صحفية متمرسة، لها باع طويل في الصحافة السياسية لكنها لا تستطيع خيانة أفكارها الحقيقية وموقفها الداعم لإسرائيل لأنه يخالف الصوابية السياسية التي تطبع الإعلام النرويجي بقوة.

أما تلفزيون وراديو فرانس إنفو (France info tv) فلقد كان أكثر جرأة عندما صرحوا أن مسابقة الأغاني الأوروبية هذا العام هي سياسية بامتياز بل إنها أكثر سنة تجلت فيها السياسة خلال تاريخ اليورفيجن.

هناك ماكينة إعلامية رهيبة تصرّ على تزييف الحقائق وتمتلك قدرة كبيرة على تحويل توحش الجيش الإسرائيلي إلى مجرد حمائم سلام ترفرف في سماء مالمو عبر مغنية إسرائيلية شابة عمرها 20 عاماً اسمها إيدن جولان تغني أغنية "Hurricane إعصار" مستوحاة من لحن  (October Rain) "مطر أكتوبر". وهذه الأغنية كانت قد رفضتها إدارة المسابقة لأن في كلماتها كمية كبيرة من الكراهية والسياسة وتتحدث عن "حماس" و"عن طوفان الأقصى"، وهو ما يخالف قواعد مسابقة الأغنية الأوروبية بشأن الحياد، وأنها حدث موسيقي غير سياسي، ولكن بعد عدة جولات قبل الفريق الإسرائيلي تعديل بعض الكلمات في الأغنية لكنه حافظ على الموسيقا نفسها التي يتذرع داعمو إسرائيل من الأوربيين أنها السبب الرئيسي لنجاحها وربما الفوز. لقد قاتلت إسرائيل لتشارك في هذه المسابقة حتى إن إلحاح الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، وعبر شاشة التلفزيون كان دائما للتأكيد على أهمية وجود إسرائيل في مسابقة "يوروفيجن" لهذا العام.

وكانت مسابقة "يوروفيجن" لعام 2024 قد واجهت بالفعل انتقادات لأنها ضمت إسرائيل، بعد أن وقع أكثر من 2000 فنان من أيسلندا وفنلندا والدنمارك والنرويج والدولة المضيفة السويد على رسائل مفتوحة تطالب بتعليق مشاركة إسرائيل في المسابقة "الهجمات الانتقامية" في غزة.

وبعد ساعات قليلة من نشر الصورة وفي الخامسة صباحاً من يوم الحفل الكبير في مالمو للمنافسة على الفوز بالمركز الأول حصدت الصورة حتى الآن:

1000 إعجاب وأكثر من 300 تعليق حذف فيس بوك كثيرا منها لشدة كراهيتها، وحازت أيضا على أكثر من 100 مشاركة في بلد قليل السكان نسبياً ومواطنوه حريصون على أن لا يظهروا مشاعر الكره والعداء بوضوح في الحياة اليومية لكنهم يصبحون أشباحا في منتصف الليل. أنا أتحدث عن خفافيش العنصرية وليس عن كامل الشعب النرويجي الطيب.

نعم، لقد "سُمح للصهيونية بالغناء"، وفي نفس الوقت سُمح لخزان العفن الأبيض والكراهية بالتدفق والذي قد يغرق الجميع.