icon
التغطية الحية

إيكونوميست: الشرق الأوسط يعاني من أزمة ميليشيات

2024.04.26 | 16:14 دمشق

آخر تحديث: 26.04.2024 | 16:14 دمشق

عناصر من حزب الله يحملون رايته
عناصر من حزب الله يحملون رايته
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أن تكون لبنانياً يعني أن ترى بذور حرب أهلية جديدة تلوح مع كل حدث جديد، وقد قدمت الأشهر القليلة الماضية سبباً وجيهاً لتخوف اللبنانيين من الحرب، إذ في شهر آذار الماضي، وقف أهالي بلدة رميش المسيحية الواقعة في الجنوب اللبناني ضد عناصر من حزب الله الشيعي الذي تحول إلى حزب السياسي، وذلك عندما حاول عناصر الحزب نصب راجمة صواريخ في مركز القرية. وفي السابع من نيسان، اختطف باسكال سليمان وهو قيادي في حزب القوات اللبنانية اليميني المسيحي، وذلك بالقرب من مدينة جبيل الواقعة في الشمال اللبناني، وانتهت عملية الاختطاف بمقتله، فسارع زعيم حزبه للتلميح إلى الدور الذي لعبه حزب الله في عملية الاغتيال، على الرغم من إنكار الحزب لذلك.

أثارت هاتان الحادثتان المخاوف من اندلاع قتال بين المسيحيين والشيعة، كما صار بعض الناس يتحدثون عن أساس المشكلة، وهو عجز الدولة عن السيطرة على الميليشيات، وبالأخص حزب الله، إذ لم يستطع أهالي قرية رميش طلب مساعدة الجيش الذي لا يسيطر على الجنوب إلا بنسبة ضئيلة، وفي حال تبين بأن حزب الله كان وراء عملية الاغتيال التي حدثت في جبيل، فلن يحاسبه أحد على ذلك، لأن هذه الجماعة بقيت تتمتع بحصانة تحميها من المحاسبة على عمليات الاغتيال التي نفذتها طوال عقود.

يعاني الشرق الأوسط من مشكلة ميليشيات، إذ من بين أربعمئة مليون نسمة الذين يعيشون في العالم العربي، يعيش أكثر من ربعهم في بلدان تعاني فيها الدولة من ضعف شديد يمنعها من السيطرة على الجماعات المسلحة، ففي لبنان هنالك حزب الله، وفي اليمن لدينا الحوثيون، وهو فصيل شيعي يسيطر على معظم المناطق المأهولة في البلد، وفي العراق هنالك كوكبة من الميليشيات، وكذلك الأمر في ليبيا وسوريا.

حزب الله يعرف تماماً من يغتال

وهذه الجماعات ليست طارئة على الشرق الأوسط، إلا أن ما يميزها هو تحالف الدولة معها، إذ نظرياً يشبه حزب الله أي حزب آخر ضمن الطيف الديمقراطي الطائفي في لبنان، بما أن عناصره يصلون إلى البرلمان ويتولون حقائب وزارية، كما أنه الحزب الوحيد الذي يتمتع بتسليح أفضل من الجيش، وبسلطة تخوله تقرير أمر جر البلد إلى حرب خارجه أم لا.

أما الآثار التي يخلفها كل ذلك فعميقة، فقد جلبت الميليشيات على البلاد حرباً ضروساً، ولكن منذ السابع من تشرين الأول الماضي، أسهمت الميليشيات في جر أربع دول عربية إلى معركة تصعيد مع إسرائيل، بما أنها تعتبر أذرعاً لإيران في المنطقة، على الرغم من أن إيران بقيت حتى فترة قريبة تحجم عن الخوض في قتال مباشر مع إسرائيل، ثم إن تلك الميليشيات تغتال أبناء جلدتها وتروعهم، وتنهب مليارات الدولارات من خزينة الدولة، وتثير الرعب في قلوب المستثمرين الأجانب، ولهذا زاد كره الناس لتلك الميليشيات، على الرغم من صعوبة استئصال شأفتها من جذورها.

يعتبر اللجوء إلى العنف أو التهديد باستخدامه أهم أسباب ذلك الكره، إذ وجهت انتقادات كبيرة لحزب الله بسبب سلسلة الاغتيالات التي طالت أعداءه، ابتداء من رفيق الحريري رئيس الوزراء الأسبق في عام 2005، وصولاً لمحمد شطح وزير المالية الأسبق في عام 2013، إذ يقول أحد أقارب الضحية: "إنهم يعرفون من يقتلون تماماً، ولذلك لن يجدون من يعارضهم أبداً".

وللمال دور في ذلك، وذلك لأن أغلب الميليشيات تسيطر على إمبراطوريات اقتصادية مترامية الأطراف، إذ سبق لوزير المالية العراقي الأسبق، علي علاوي، أن قال بأن خزينة الدولة لم يصلها إلا ما دون مليار دولار أميركي من أصل سبعة مليارات دولار تحصلها الدولة من رسوم الجمارك كل عام، وذلك لأن الميليشيات تستولي على معظم ما تبقى من هذا المبلغ. وفي عام 2022، شكلت الميليشيات تكتلاً للإنشاءات، وأقنعوا الدولة على منحهم مساحة تعادل نصف مساحة قبرص، وأصدروا قروضاً منحت للمتقاعدين، وصاروا يحصلون آلاف الدولارات يومياً عبر فرض أتاوات على الشاحنات عند نقاط التفتيش والحواجز التي أقاموها.

اللعب على الانقسامات

هنالك كثير من الجماعات الثائرة الفاسدة والتي تلجأ للعنف في مختلف بقاع العالم، إلا أن قلة قليلة منها تسيطر على 12% من مقاعد البرلمان وتدير وزارة العمل كما يفعل حزب الله في لبنان، وثمة عوامل أخرى تفسر تصدر تلك الجماعات في الشرق الأوسط، أولها وجود دول ضعيفة فاقدة للشرعية، كما أن الميليشيات في تلك المنطقة تستغل غضب الشارع على حكومات دولها، فالشيعة في لبنان الذين يمثلون القاعدة الشعبية لحزب الله لم يبرحوا منذ قرون طويلة الطبقات الدنيا الفقيرة ضمن المجتمع اللبناني، أما شيعة العراق فقد تعرضوا لقمع شديد طوال فترة حكم صدام حسين التي امتدت لأربع وعشرين سنة. وفي ظل غياب الانقسامات الطائفية العميقة في ليبيا، ظهرت انقسامات مناطقية بسبب فساد حكم معمر القذافي وبقائه في سدة السلطة لفترة طويلة، ليجري إسقاطه في نهاية الأمر عام 2011.

بعد ذلك يأتي دور الحرب التي تخدم تلك الميليشيات عبر تقديم سبب وجيه لوجودها وفائدتها بالنسبة للدولة، إذ سيطر نظام الأسد طوال عقود على سوريا وتحكم بها بقبضة حديدية، ثم قامت انتفاضة شعبية ضد حكم الأسد في عام 2011 فتحولت لحرب عندما بدأ الجنود بقتل المتظاهرين، عندئذ أضحى الجيش السوري بحاجة لمساعدة عدد من الميليشيات لسحق الثورة.

وبالشكل ذاته، ظهرت أغلب الميليشيات العراقية خلال العشرية الأولى من الألفية الثالثة، وأخذت تحارب المحتلين الذين تزعمتهم أميركا، وازداد دورهم قوة في عام 2014 خلال فترة محاربة الجهاديين من تنظيم الدولة وذلك عندما فر الجيش العراقي وسلم مدينة الموصل.

عندما تتقاسم الميليشيات الحكم مع الدولة

وفي ذلك ما يدلنا على السبب الثالث، وذلك أن تعريف الثوار اصطلاحاً يشير إلى أنهم عناصر تحارب الدولة، بيد أن الدولة في الشرق الأوسط تسبغ درجة من الشرعية على تلك الجماعات، لتكتشف فيما بعد صعوبة سحب تلك الشرعية منها. فقد دعا الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان عام 1989 إلى نزع سلاح كل الميليشيات، باستثناء حزب الله، على اعتبار أنه حزب مقاوم يحارب إسرائيل.

ولطالما اعتُبر الحوثيون حركة متمردة في شمالي اليمن، الذي يعتبر من أفقر المناطق في هذا البلد المعدم، وفي عام 2014، وفي خضم الفوضى التي ظهرت بعد الثورة، اجتاح الحوثيون الجنوب وسيطروا على العاصمة وعلى مدن كبرى أخرى، فلم يقف الجيش اليمني ضدهم ويمنعهم من ذلك، بل رحب بهم واصفاً إياهم بالثوار، وهكذا اجتمعت ثلاثة عوامل في مكان واحد هو اليمن، وهي: وجود دولة ضعيفة، وقيام نزاع ثم الخروج بحجة تبرر منح المصداقية.

وهنا تنقسم ميليشيات الشرق الأوسط ضمن فئتين، بيد أنها اليوم أضحت تمثل الدولة في معظم أنحاء اليمن، ولكن عبر استيلاء الحوثيين على السلطة دفعوا باتجاه ظهور من يعارضهم، إذ صارت أغلب فئات الشعب اليمني تنحي باللائمة اليوم على الحوثيين بسبب الفقر والمجاعة والأمراض المنتشرة، وذلك لأن الحوثيين حاربوا فساد الدولة، ولكنهم تبنوا ذلك الفساد عندما أصبحوا هم الدولة.

"سلطة من دون مسؤولية"

يختلف نهج الميليشيات في العراق ولبنان وسوريا عن نهج الحوثيين في اليمن، إذ بدلاً من الاستيلاء على الحكومة، سعت تلك الميليشيات لأن تصبح شريكة لها، إذ أصبح حزب الله يحصل عقوداً من خلال الوزارات، ويوظف مؤيديه في وظائف حكومية، ويحصّل الأموال من الجمارك، ومعظم الأحزاب اللبنانية تحذو حذوه، بيد أن حزب الله يسيطر على المنطقة الحدودية مع سوريا وعلى عدد من الأجهزة الأمنية والاستخبارية، وهذا ما لا تمتلكه بقية الأحزاب اللبنانية. كما أن الترسانة الهائلة التي يمتلكها هذا الحزب تعطيه الحق في اتخاذ القرارات أو تعطيلها، فقد احتل مسلحوه بيروت في عام 2008 لإرغام الحكومة على التراجع عن قراراتها التي لا يوافق الحزب عليها، كما أصبح الحزب جزءاً من الدولة بل من السلطة التي تتحكم بالدولة، وهذا ما دفع الباحثة لينا الخطيب لتصف الحزب بأنه: "سلطة من دون مسؤولية".

خلال الحرب الأهلية اللبنانية، سعت معظم الميليشيات الطائفية في لبنان للحصول على مساعدة من الخارج، إذ حصل حزب القوات اللبنانية على السلاح والتمويل من إسرائيل، ومن عدد من الدول الغربية والعربية، وعند انتهاء الحرب، انتهى الدعم الرسمي المقدم للأحزاب، وبقي حزب الله يحصل على دعم كبير من دولة أجنبية، ألا وهي إيران، التي أرسلت له ترسانة من الأسلحة الحديثة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات على مدار السنوات الأربعين الفائتة.

وهذا ما يفسر الانقلاب الذي طرأ على موقف سمير جعجع زعيم حزب القوات، إذ كان أحد أعتى القادة العسكرين خلال الحرب الأهلية، لكنه أصر خلال السنوات القليلة الماضية على خوض نزاع مع حزب الله، ولكن في الثاني والعشرين من نيسان، أي بعد مرور أسبوعين على تلميحه لدور حزب الله في اغتيال باسكال سليمان، أعلن جعجع بأنه لا يوجد أي دليل يفيد بتورط حزب الله في تلك الجريمة، ما يعني أن لديه رغبة بالدخول في معركة مع حزب الله، إلا أن موقعه لا يسمح له بشن تلك الحرب.

لعل أبرز ما يفسر القوة العاتية لميليشيات الشرق الأوسط هو الدعم الخارجي الذي يصلها، وتعتبر إيران أبرز الجناة هنا، لكونها لم تكتف بدعم حزب الله فحسب بل إنها أيضاً تدعم الميليشيات في العراق وسوريا واليمن، وقد حاولت أميركا قطع هذا الدعم من خلال العقوبات التي فرضتها، لكنها لم تحقق سوى نجاحاً محدوداً في هذا المضمار، في حين سعى القادة الغربيون وهيئة الأمم المتحدة لإتباع خطط تقوم على إقناع الميليشيات بنزع سلاحها، ولكن طالما بقي لديها شريان يمدها بالمال والسلاح الذي يأتيها من الخارج، فلن يكون لدى تلك الميليشيات أي حافز يدفعها للموافقة على العمل بمضمون تلك الخطط.

 المصدر: The Economist