icon
التغطية الحية

مستقبل الحرب على لبنان.. لماذا يمتص حزب الله الهجوم وماذا تريد إسرائيل تحديداً؟

2024.09.27 | 07:56 دمشق

آخر تحديث: 27.09.2024 | 11:19 دمشق

شسيب
غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزلاً في قرية الخيام بجنوبي لبنان (AFP)
+A
حجم الخط
-A

تواصل إسرائيل لليوم الخامس على التوالي هجومها العنيف والدموي على لبنان، ورغم انخفاض عدد الغارات مقارنة بيومي الإثنين والثلاثاء نظراً لمفاوضات وقف إطلاق النار، فإن مجربات الأحداث تشي باستمرار الحملة الجوية الإسرائيلية بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه لم يرد بعد على مقترح وقف القتال وأوعز إلى الجيش بمواصلة الهجوم، في حين انتهج حزب الله تكتيك الامتصاص بوصفه أقل الخيارات ضرراً بحكم صعوبة الواقع عسكرياً وأمنياً والتخلي الإيراني الفج.

أسفرت أيام الحملة الجوية الإسرائيلية الأربعة عن مقتل ما يقارب 700 شخص بينهم عشرات اللاجئين السوريين، ونزوح أكثر من 70 ألف مواطن لبناني بينهم أكثر من 10 آلاف لبناني وسوري إلى سوريا.

أيام التصعيد تبدو متكررة في الواقع الميداني، فالهجوم الجوي الذي بدأ يوم الإثنين الفائت ركّز على جنوبي لبنان ثم شمل مناطق واسعة من لبنان، من الجنوب إلى البقاع وصولاً إلى ضواحي بيروت. زعمت إسرائيل أنها دمرت مئات القواعد والمنصات الصاروخية لحزب الله، في حين انتهج حزب الله تكتيك الامتصاص ورشق مواقع إسرائيلية بعشرات الصواريخ يومياً.

منذ يوم الأربعاء انخفضت وتيرة الغارات الإسرائيلية تماشياً مع مقترح صادر عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الغربية والعربية، يدعو إلى وقف مؤقت لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني لمدة 21 يوماً، في محاولة لمنع توسع الصراع إلى حرب واسعة.

وقال الرئيسان الأميركي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون في بيان مشترك: "البيان الذي تفاوضنا عليه يحظى الآن بتأييد كل من الولايات المتّحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والسعودية والإمارات وقطر".

رحب رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بالمقترح المطروح الذي لم يشمل غزة، في حين لم يرد نتنياهو الذي "أصدر تعليماته للجيش بمواصلة القتال بكامل قوته". وقال: "الخبر الذي يدور حول ما يسمى بالتوجيه لتهدئة القتال في الشمال هو أيضاً عكس الحقيقة. كما أن القتال في غزة سيستمر حتى تحقيق جميع أهداف الحرب".

الرد الأوضح على المقترح جاء من اليمين المتطرف الإسرائيلي، حيث هدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير بالاستقالة من الحكومة الإسرائيلية إن تم التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم مع حزب الله، وقال وزير المالية الإسرائيلي، اليميني المتشدد بتسلئيل سموتريتش، إن الحرب في الشمال تنتهي فقط بـ"تحطيم حزب الله وسلب قدراته على تهديد سكان الشمال، فقط بهذه الطريقة يمكننا إعادة الأمن لسكان الشمال وللدولة"، وقالت وزيرة الاستيطان والمهام القومية، أوريت ستروك: "لا يوجد تفويض أخلاقي لوقف إطلاق النار سواء 21 يوماً، أو حتى لمدة 21 ساعة". حتى أن زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، رفض المدة المقترحة لوقف إطلاق النار وأعلن دعمه وقفاً لإطلاق النار "لمدة 7 أيام فقط".

نزح 70 – 90 ألف إسرائيلي من الشمال منذ بدء الحرب في غزة وتدخل حزب الله عندما فتح "جبهة إسناد"، والمنطقة الشمالية تهم اليمين المتطرف بشدة لأنها الجزرة لاستجرار مستوطنين جدد من خارج إسرائيل ونزوح سكانها يضرب سردية الوكالة اليهودية بأن "إسرائيل آمنة".

كيف يتعامل حزب الله مع الهجوم الإسرائيلي؟

طالما وُصف حزب الله اللبناني بأنه درة التاج الإيراني وطالما كانت ساحته مركزاً ومحوراً في كامل المنطقة، وعندما تركت إيران حماس وحيدة في الحرب الطاحنة بعد طوفان الأقصى، راحت التحليلات إلى أن طهران وحرسها الثوري لن يتدخلا إلا لأجل حزب الله الذي تعاظمت قوته في السنوات العشر الأخيرة عندما انفتح طريق الإمداد من إيران إلى لبنان على مصراعيه مروراً بسوريا.

الواضح أنه منذ بدء الهجوم الجوي الإسرائيلي على لبنان اعتمد حزب الله استراتيجية الامتصاص لحين تكون موقف وتقدير كاف لما يحدث والحد الذي ستذهب إليه إسرائيل، وبانتظار الموقف الإيراني الذي بدا هادئاً بتصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من نيويورك عندما قال إن طهران "ستتعامل مع الشرق والغرب بناءً على المصالح الوطنية وتسعى إلى الدبلوماسية سياسياً واقتصادياً مع العالم وتسعى للسلام لا للحرب" مضيفاً أن "حزب الله غير قادر وحده على مواجهة إسرائيل".

وبحسب موقع بلومبيرغ وتسجيل صوتي لاجتماع مع صحفيين أميركيين، أشار بزشكيان إلى أن إيران ستُفكر في التخلي عن أسلحتها "إذا تخلت إسرائيل عن أسلحتها".

بعدها كتب المرشد الإيراني علي خامنئي، في تغريدة: "حزب الله منتصر".

تفجيرات البيجر التي سبقت الحملة الجوية القائمة على اختراقات كبيرة وبمستويات عالية؛ عقّدت الموقف بالنسبة لحزب الله، فلا يمكنه التصعيد من دون ردم الخروق التي أسفرت أيضاً عن خسارته لقيادات من الصفين الأول والثاني أبرزهم فؤاد شكر وآخرهم مسؤولو الصواريخ. وقبل كل ذلك كانت الاختراقات في صفوف الحرس الثوري الإيراني والفصائل التابعة له في سوريا مخيفة، ويبدو أن مخالطة حزب الله والحرس الثوري للنظام السوري وأجهزته وقواته جعلت مهمة اختراقهم أكثر سهولة، وتسبب الاختراق هذا بأضرار كبيرة في الكوادر والمواقع الاستراتيجية التي كان آخرها الإنزال في مصياف الذي كشف تلفزيون سوريا تفاصيله.

يطلق حزب الله عشرات الصواريخ تباعاً كلما سنحت الفرصة، ولم يصل من المئات المطلقة إلا عدد قليل لم تتسبب بضرر كبير مادياً أو بشرياً أو عسكرياً، لكن الهجوم غير المسبوق دفعه لتوسيع نطاق القصف ليشمل شمالي فلسطين المحتلة، وكسر بذلك قاعدة اشتباك تتمثل بعدم استهداف تل أبيب وحيفا، فكان تصعيداً لكن يضمن عدم الانجرار بعد إلى حرب شاملة.

بمراقبة ورصد الغارات الإسرائيلية وما انتشر على وسائل الإعلام من تسجيلات مصورة، وبمقاطعتها مع مصادر أمنية وعسكرية لبنانية وخبراء أمنيين، فإن الضربات الإسرائيلية لم تتسبب بأضرار في ترسانة وصفوف حزب الله بأكثر من 10%، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الضرر الأكبر يتمثل باغتيال القادة العسكريين والخلل الواضح الحاصل في حاضنة الحزب منذ يوم تفجيرات البيجر وصولاً إلى نزوح عشرات الآلاف في بلد متهالك أساساً، في حين يمكن للحزب تعويض ما خسره من منصات صواريخ ومقاتلين.

يقول حسن نصر الله إنه لديه 100 ألف مقاتل، في حين تنحو التقديرات إلى أن عدد المقاتلين النخبة يبلغ 20 ألف عنصر من أصل 60 ألف مقاتل أساسي، في حين لا يمكن تقدير عدد قوات الاحتياط.

تقدر التقارير الأمنية ترسانة حزب الله بما يقارب الـ 150 ألف صاروخ وقذيفة، في حين لا يمكن معرفة كمية ونوعية المسيرات الإيرانية في ترسانة الحزب التي يبدو أنها قادرة ضمن تكتيكات إطلاق معينة على تجاوز المضادات الإسرائيلية المتطورة، والدليل وصول 7 مسيرات وصواريخ بالستية إلى أهدافها يوم رد الحرس الثوري الإيراني على قصف السفارة الإيرانية في دمشق، وعندما ضربت مسيرة إيرانية أطلقتها فصائل عراقية مرفأ إيلات يوم أمس. والمسيرات هي الهاجس الإسرائيلي الأمني الأكبر منذ بدء التصعيد في الجبهة الشمالية.

يمكن أن تصعد الفصائل المرتبطة بإيران في العراق واليمن، نيابة عن حزب الله، إذا تطلبت المفاوضات إظهار القوة.

حزب الله في موقف المخيّر بين الأقل سوءاً، عدم فتح جبهة إسناد يعني فقدان السردية القائمة عليها حزبه، وعدم الرد على الضربات الإسرائيلية الموجعة قد يشجعها على تكرارها وزيادتها كماً ونوعاً، وفي حال الرد وإلحاق ضرر بإسرائيل فستشن الأخيرة قصفاً لا يبقي ولا يذر. وفق هذه المعادلات، اختار حزب الله امتصاص الهجوم.

ماذا تريد إسرائيل من الحملة الجوية؟

صدمت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة العالم أجمع، فالوحشية الممنهجة لم توقفها كل المبادرات والتدخلات الدبلوماسية الدولية، وجاءت في وقت ما قبل الانتخابات الأميركية وفي حكم رئيس ديمقراطي غير قادر على التركيز، وفي حكم نتنياهو الذي كان قبل طوفان حماس يترأس صفحات الأخبار وعلى شفير المحاكمة ومدجج بيمين متطرف داعشي لا يلقي بالاً لأي اعتبار.

كان واضحاً بعد أشهر من حرب غزة أن إسرائيل لن توقف حربها حتى تقضي على أي تهديد محتمل في العقود المقبلة بحسب ظن المسؤولين الأمنيين والعسكريين، وذلك ينطبق على حزب الله بصفته الفصيل المجاور جغرافياً، وحزب الله تلقى تهديداً منذ فتح "جبهة الإسناد" بتدميره بالكامل في حال تجاوز الحدود وذكرت تقارير غربية أن التهديد شمل تدخل الولايات المتحدة الأميركية في ضربه.

تروّج إسرائيل أن ما تعرضت له في السابع من أكتوبر حدث مضاعف عن أحداث 11 أيلول، وهذا يستدعي تحركاً صارماً وإن كان يهدد بحرب واسعة، وتغيير شكل المنطقة. وبما أن العالم فشل في كبح الجنون الإسرائيلي تجرأت إسرائيل على حزب الله وحاولت استدراجه مراراً للحصول على مبرر لتدمير لبنان أو على الأقل جنوبه، لكن حزب الله ومن خلفه إيران قررا عدم تضييع المكاسب الكبيرة التي جنوها على مدار 14 عاماً وبالتالي عدم الانجرار إلى حرب واسعة مع إسرائيل، وامتصاص التصعيد الإسرائيلي.

بعد أن حققت جزءاً كبيراً مما تريده في غزة، تريد القيادة الإسرائيلية توجيه جزء من قواتها إلى الجبهة الشمالية لتعيد ضبط قوة حزب الله، بمعنى آخر: إعادته إلى ما كان عليه بعد انتصاره في حرب 2006، فحزب الله نما بفارق كبير في الانتشار الجغرافي عندما انضم إلى النظام السوري في حربه ضد شعبه وزاد من ترسانته كماً ونوعاً وأصبح لديه أسلحة وذخائر من كل ما أنتجته إيران في الأعوام الماضية وتحديداً الصواريخ والمسيرات، وأحكم الحزب طريق إمداده من طهران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا، وهذا التنامي والإحكام لم تعترض عليه إسرائيل حينئذ وكان الحزب حرّ الحركة في المعارك السورية، باستثناء بعض الغارات الإسرائيلية على الحدود السورية العراقية والقطع العسكرية والمطارات في سوريا والتي كانت تستهدف أي حمولة من الممكن أن تشكل خطراً على إسرائيل، وتحديداً معدات تصنيع الصواريخ والمسيرات وتقنيات الاتصالات المتطورة الإيرانية والكورية والروسية وغيرها.

على رأس الأهداف الإسرائيلية انسحاب حزب الله إلى خلف نهر الليطاني، وتشكيل منطقة آمنة في شمالي فسطين المحتلة تقطع احتمالات أي تهديد من جنوبي لبنان، وهذا الهدف كبير ويمكن أن يكون نقطة اتفاق يمهد لإنهاء كل ما يجري بعد طوفان الأقصى، وكبير لأن حزب الله في حال وافق على ذلك يكون قد خسر شبكة معقدة من الأنفاق والتحصينات في جنوبي لبنان وتخلى عن جزء كبير من بنيته التحتية الدفاعية، وأهم ورقة لديه في الضغط على إسرائيل. هذا السيناريو إن حصل سيعني صعوبة اندلاع حرب بين إسرائيل و"محور المقاومة" لأمد طويل، وتخرج منه طهران وتل أبيب الرابحين الأكبرين في حين تضمن حماس وحزب الله بقاءهما وإن كان بقاء أضعف بكثير عما سبق، والمكسب الأميركي سيكون في تحقيق "هدوء طويل الأمد" في المنطقة.

حزب الله قبيل السابع من أكتوبر يمثل تهديداً حقيقياً لإسرائيل، ويمكن أن يلحق بإسرائيل ضرراً كبيراً إذا ما أردا ذلك. بمعنى أن الحزب لديه القدرة لكن لا يوجد لديه الرغبة أو القرار. الآن تريد تل أبيب أن تجرد الحزب من القدرة قبل الرغبة.