ليتني كوري شمالي.. عن إيران ومشروعها القائم والمُتخيل

2024.09.18 | 09:08 دمشق

615555555
+A
حجم الخط
-A

في مطلع الألفية، وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر وما تلاها من غطرسة أميركية واحتلال لأفغانستان والعراق، وتهديد لدول أخرى، أجرت كوريا الشمالية تجربةً نوويةً، ضاربةً بالتهديدات الأميركية عرض الحائط.

وابتهاجاً بنزعة المواجهة، راجت في الخليج قصيدة شعبية ركيكة تقول: "ليتني كوري شمالي، شامخ والراس عالي، ما خضع ولا تهاون، أو جبن مرة وهادن، راسه مثل الجبالي".

لا أذكر وقتها أن أحداً كان معنياً بمعرفة حقيقة ما يجري في كوريا الشمالية. فالبلد المحكوم بأحد أسوأ الأنظمة القمعية في التاريخ، والأكثر انغلاقاً في العالم، والذي كان قد خرج للتو من مجاعة أودت بحياة أكثر من مليون شخص، ونسبة الفقر فيه تتجاوز الـ 60% من السكان، ومتوسط دخل الفرد فيه لا يتجاوز 600 دولار سنوياً (في حين يبلغ عند جارتها الجنوبية 33.000 دولار)، وتقع في آخر سلم دول العالم في مؤشرات حقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة والشفافية والفساد.

ثمة مواطنون عرب على بُعد آلاف الكيلومترات يُعبرون عن أمنياتهم بالانتماء إلى تلك البلاد لمجرد أنها ناكفت أميركا. فهل يُمثل ذلك استعداداً حقيقياً لدى هؤلاء المواطنين للتخلي عن حياتهم في الخليج مُقابل خوض مواجهة مع الغرب؟ بالطبع لا، فهم يريدون واقعهم المعيشي - الذي يتذمرون منه أحياناً - ويُطالبون دوماً بتحسينه، في حين هم يُعبرون عن أمنياتهم عن بُعد، ويعرفون أنها لن تتحقق، ولا يتمنون أن تتحقق.

وفي المقابل، لا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع أو نقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي أو في برامج ومؤتمرات عن المشروع الإيراني، وأن المنطقة تتقاطع فيها مشروعات إقليمية إيرانية وتركية وإسرائيلية - باعتبارها مشروعات تتراوح بين منافسة ومعادية - من دون وجود مشروع عربي مقابل.

وبمعزل عن تقييم هذا الحديث، لا أدري لِمَ يكون الحديث عند البعض مشوباً بإعجاب حين يتم الحديث عن المشروع الإيراني.. فما الوضع في إيران اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتنموياً؟ وهل لديها فعلاً ما يستحق الإعجاب؟

وإذا كان الهاجس الأهم لدى المواطنين في أي دولة في العالم هو تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية والخدمية، وتحقيق تقدم في مسيرة التنمية والتطوير، ورفع معدلات دخل الفرد، وانخفاض معدلات البطالة والفساد. وأيضاً تحسن في وضع حرية التعبير وحقوق الإنسان وحرية الصحافة وسيادة القانون والمشاركة الشعبية في القرار السياسي.. فما هو موقع إيران من هذه المطالب الشعبية؟.. لنحاول التعرف على وضع إيران في أهم ثلاثة عناوين: الاقتصاد والسياسة والوضع العسكري والسيادي.

(1)

اقتصادياً، لدى إيران ثاني أكبر مخزون من الغاز الطبيعي في العالم - بعد روسيا -، ورابع أكبر مخزون عالمي من النفط. ومع ذلك فالناتج المحلي الإيراني في عام 2022 بلغ الـ 413 مليار دولار، وهو يقل عن الناتج المحلي لمصر - شبه الخالية من الموارد الطبيعية - المُقاربة لها في عدد السكان، والتي تُعاني من أزمة اقتصادية خانقة، حيث يبلغ الناتج المحلي المصري في عام 2022 قرابة الـ 476 مليار دولار. في حين يبلغ الناتج المحلي لدولة الاحتلال الإسرائيلي 525 مليار دولار. أما في الجارة تركيا، المُقاربة لإيران أيضاً في عدد السكان - والخالية من النفط والغاز كذلك - فيبلغ الناتج المحلي قرابة 907 مليار دولار.

يبلغ الحد الأدنى للأجور في إيران - بعد قرار رفعه قبل أشهر - ما يُقارب الـ 160 دولارا، بينما عند جارتها تركيا التي تُعاني أيضاً من أزمة اقتصادية، يزيد قليلاً على الـ 500 دولار.. في حين تُشكل إيران واحدة من أكثر دول العالم تفاوتاً بين القيمة الرسمية للعملة المحلية وقيمتها الحقيقية في السوق السوداء، حيث قيمة الدولار الواحد رسمياً في البنوك الإيرانية 42.000 ريال إيراني، في حين تتجاوز قيمته الحقيقية في السوق السوداء حاجز الـ 600.000 ريال.. كما أن نسبة التضخم في إيران في آخر أربع سنوات بلغت قرابة الـ 40%.

يسيطر الحرس الثوري الإيراني - وفق تقديرات - على ما يُقارب الـ 35% من الاقتصاد الإيراني، ووصلت شركاته إلى مختلف القطاعات الاقتصادية كالبناء والصناعات الثقيلة ومصافي النفط والصناعات البتروكيماوية ومصانع السيارات والمصارف والصحة والزراعة والاتصالات والصناعات الغذائية، كما يمتلك عشرة مطارات محلية.

فمثلاً "مؤسسة خاتم الأنبياء" التابعة للحرس الثوري تضم وحدها أكثر من 800 شركة ومؤسسة تعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية، ويعمل بها أكثر من 160 ألف موظف.

وسبق أن عبَّر الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق حسن روحاني عن غضبه من سيطرة الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني، وكان مما قاله: "إن الاقتصاد كان في يد حكومة غير مسلحة، لكنه أصبح الآن في يد الحكومة المسلحة"، واعترف خلال لقاء له مع عدد من التجار والمستثمرين بعجز القطاع الخاص عن منافسة الحرس الثوري في الحصول على المشروعات الاقتصادية، بسبب الخوف منه ومن سيطرته على البلاد، كونه لا يتحكم في الاقتصاد فحسب، بل وعلى الإعلام والسلاح أيضاً.

تُعد إيران من أسوأ دول العالم في مؤشرات الفساد المالي والإداري والسياسي.

أما نسبة الفقر في إيران فقد تجاوزت حاجز الـ 40%، وقد كتبت صحيفة "اعتماد" الإيرانية في نيسان/أبريل الماضي أن نسبة الفقر في البلاد زادت بنسبة 10% خلال آخر عامين فقط، مما يعني أن ثمانية ملايين شخص انتقلوا من الطبقة الوسطى وانضموا حديثاً إلى قائمة الفقراء.

كما تُعد إيران من أسوأ دول العالم في مؤشرات الفساد المالي والإداري والسياسي، حيث احتلت - في مؤشر مدركات الفساد العالمي - الموقع 149 في قائمة تضم 180 دولة. وعربياً فإن معظم الدول التي تحتل موقعاً أسوأ من إيران هي تلك التي تخضع لهيمنتها "لبنان والعراق واليمن وسوريا"، بالإضافة إلى ليبيا والسودان اللتين تمران بمرحلة انهيار في مؤسسات الدولة وسيطرة للميليشيات.

وتنموياً وتقنياً، تمثل إيران حالة بالغة السوء على مستوى البنية التحتية والخدمات والتطور التقني والبيروقراطية الحكومية، لدرجة لم تستطع معها الكشف عن موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني من دون مساعدة المسيّرات التركية، وهي القصة التي تذكرنا بما قام به الحرس الثوري الإيراني في 8 كانون الثاني/يناير 2020 - بعد أيام من الاغتيال الأميركي لقاسم سليماني - من إطلاق صاروخ باتجاه طائرة مدنية أوكرانية كانت قد أقلعت للتو من مطار الخميني الدولي في طهران، وراح ضحيتها جميع ركاب الطائرة البالغ عددهم 176 راكباً، حيث ظن الحرس الثوري أنها صاروخ أميركي!

وفي حال تتبعنا موقع إيران في مؤشرات التنمية والتحديث والحوكمة التقنية وجودة الحياة والتكنولوجيا الرقمية والبيئة الاستثمارية والتأثير الثقافي وسوى ذلك، سنخرج بتصور عن طبيعة الوضع الخدمي والتنموي والاقتصادي المتردي في إيران، حيث تقع دوماً في آخر مراتب دول العالم في جميع هذه المؤشرات.

تجري في إيران انتخابات رئاسية يمكن وصفها بالهزلية، رغم كونها لا تخضع لعملية تزوير مباشرة في صناديق الاقتراع، ولكن في عملية فرز المرشحين التي يتولاها مجلس صيانة الدستور يتم حسم كل شيء تقريباً.

(2)

أما على مستوى الحريات العامة والصحفية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فوفق المؤشر السنوي لحرية الصحافة الذي تُصدره منظمة مراسلون بلا حدود، تحتل إيران المرتبة 176 من بين 180 دولة في العالم، وليس هناك من دول أسوأ منها في الحريات الصحفية سوى سوريا وأفغانستان وإريتريا وميانمار.

في حين تحتل إيران المرتبة 154 في مؤشر الديمقراطية العالمي من بين 167 دولة شملها المؤشر بحسب أحدث تقرير نشرته الإيكونوميست.

وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية، تقع في إيران ثاني أعلى حالات الإعدام في العالم بعد الصين، حيث شهدت في عام 2023 إعدام 853 شخصاً، وهي بذلك الأعلى في العالم مقارنة بعدد السكان. وإذا كانت كثيرٌ من الإعدامات تقع لمرتكبي جرائم مثل الاتجار بالمخدرات، فإنها تطول أيضاً كثيراً من الناشطين السياسيين، ومنتمين إلى أقليات عرقية وطائفية، ومدافعين عن حقوق الإنسان.

أما في مؤشر حرية الإنسان الذي يصدره معهد كاتو (CATO Institute) اعتماداً على دراسة 83 مؤشراً للحرية الشخصية والمدنية والاقتصادية لـ 165 دولة، فتقع إيران ضمن أسوأ خمس دول في العالم مع مصر وفنزويلا واليمن وسوريا.

كما تجري في إيران انتخابات رئاسية يمكن وصفها بالهزلية، رغم كونها لا تخضع لعملية تزوير مباشرة في صناديق الاقتراع، ولكن في عملية فرز المرشحين التي يتولاها مجلس صيانة الدستور يتم حسم كل شيء تقريباً.

وتتم عملية الفرز وفق معايير مجهولة، وتعتمد على مقدار الولاء للنظام. فمثلاً في انتخابات الرئاسة عام 2017 تقدم للترشح قرابة الـ 1600 شخص، حتى وإن كان من ضمنهم أسماء كثيرة مجهولة، إلا أنه في المقابل تقدم أيضاً كثيرٌ من أساتذة الجامعات والخبراء والسياسيين والاقتصاديين والمعارضين وحتى مسؤولين سابقين كبار في الحكومة الإيرانية. ولكن بعد عملية الفرز - مجهولة المعايير - التي قام بها مجلس صيانة الدستور، تمت الموافقة على ترشح ستة مرشحين فقط! هم أشبه بـ "توائم سيامية" مُتشابهة في السياسة والولاء والقرب من النظام.

وفي كل انتخابات رئاسية في إيران يتكرر الأمر ذاته. وهو مشهد يُشابه فيما لو قامت في سوريا انتخابات رئاسية، وكان المرشحون فيها ثلاثة فقط، هم: بشار الأسد وأخوه ماهر وعلي مملوك، ثم قيل للشعب السوري: من حقك أن تختار مرشحك بكامل حريتك ولن تتم أي عملية تزوير في الانتخابات!.

كما تجدر الإشارة إلى أنه برغم كل هذا "الفرز" للمرشحين، فإن رئيس الدولة في إيران محدود الصلاحيات، ومعظم القرارات الكبرى بيد المرشد الأعلى للجمهورية، إضافة إلى التأثير البالغ للحرس الثوري - الخاضع للمرشد مباشرة - في قرارات الدولة وسياساتها.. ويجدر التذكير أيضاً بأن الانتخابات البرلمانية "مجلس الشورى الإيراني" تخضع أيضاً لذات الفرز، بحيث لا يحق الترشح سوى لمن يوافق عليه مجلس صيانة الدستور.

تُمثل كثيرٌ من الفصائل العسكرية والسياسية المُعارضة حالة اعتراض على التهميش والقمع الذي تُعاني منها الأقليات العِرقيّة والطائفيّة في إيران، مثل البلوش والكرد والعرب واللار وسواهم.

(3)

أما على المستوى السيادي والأمني، فتشهد إيران دوماً اختراقات أمنية متكررة، سواء تلك التي تقوم بها مخابرات غربية وإسرائيلية، أو قوى ومجموعات معارضة ومسلحة محلية. ويمكن التفتيش في النت لرؤية عدد كبير من التفجيرات والاختراقات الأمنية التي تحصل بين فينة وأخرى في إيران، مثل التفجير الذي وقع في مدينة بيشين في تشرين الأول/أكتوبر 2009، وأسفر عن مقتل 43 على الأقل بينهم عدد من قادة الحرس الثوري، مثل نور علي شوشتري نائب قائد القوات البرية التابعة للحرس الثوري، ورجب علي قائد في منطقة سيستان بلوشستان، وقائد وحدة أمير المؤمنين، بينما أصيب أكثر من 150 آخرين.

وتفجير زاهدان الذي وقع في أيار/مايو 2009، وأسفر عن مقتل 20 شخصاً وإصابة 50 آخرين. وتفجير آخر في زاهدان وقع في تموز/يوليو 2010، وأسفر عن مقتل 27 شخصاً ووقوع 169 جريحاً. وتفجير تشابهار في كانون الأول/ديسمبر 2010، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 32 شخصاً وجرح 95 آخرين.

والهجوم المزدوج على مبنى مجلس الشورى "البرلمان" وضريح الخميني في حزيران/يونيو 2017، الذي قتل ما لا يقل عن 12 شخصاً، وإصابة 42 آخرين. وتفجير ثالث في زاهدان وقع في عام 2019، واستهدف حافلة للحرس الثوري راح ضحيته 27 قتيلاً و13 جريحاً، وعمليات أخرى كثيرة.

كما يوجد داخل إيران أكثر من عشرين فصيلاً مُعارضاً، قام بعضها بأعمال مسلحة ضد النظام، ورغم أن عدداً منها بات محدود التأثير والوجود، إلا أن بعضها الآخر ما زال حاضراً وقام بعمليات عسكرية متعددة، مثل جند الله، وجيش العدل، ومجاهدي خلق، وحزب الحياة الحرة الكردستاني، وأنصار الفرقان، والاتحاد الثوري الكردستاني، وسواهم. وتُمثل كثيرٌ من الفصائل العسكرية والسياسية المُعارضة حالة اعتراض على التهميش والقمع الذي تُعاني منها الأقليات العِرقيّة والطائفيّة في إيران، مثل البلوش والكرد والعرب واللار وسواهم.

أما على مستوى الاختراقات المُخابراتية، فتتم دوماً عمليات كثيرة وكبيرة داخل إيران، مثل اغتيال أربعة من العلماء النوويين الإيرانيين "مسعود محمدي، مجيد شهرياري، داريوش رضائي نجاد، مصطفى أحمد روشن" بين عامي 2010 و2012. واغتيال اللواء حسن طهراني مقدم، أبو البرنامج الصاروخي الإيراني و16 ضابطاً في الحرس الثوري كانوا برفقته، وذلك في 2011. والعملية النوعية التي حصلت في عام 2018 عندما قام الموساد بسرقة الأرشيف النووي الإيراني، حيث استطاعت إسرائيل سرقة نصف طن من الوثائق السرية والصور والأقراص المُمغنطة الخاصة بالبرنامج النووي، ثم اغتيال نائب وزير الدفاع وأبو البرنامج النووي الإيراني الدكتور محسن فخري زاده في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 رغم إحاطته دوماً بحماية مُشددة. وليس آخرها عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران فجر 31 تموز/يوليو الماضي، وهو ضيفٌ على رئاسة الدولة، ويُقيم في أحد المقار المُحصّنة للحرس الثوري.

يُضاف إلى كل ذلك عشرات الضربات التي تمت لمواقع وقيادات عسكرية إيرانية في سوريا، دون أن تقوم إيران بأي رد على كل تلك العمليات سواءً التي تمت داخل حدودها أو خارجها، سوى عملية الرد بالمُسيّرات التي تمت عقب القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق التي أودت بحياة قائد كبير في الحرس الثوري هو العميد محمد رضا زاهدي وسبعة ضباط آخرين، رغم أن الرد الإيراني لم ينتج عنه أي قتيل أو مُصاب، الأمر الذي اعتبره البعض عمليةً رمزيةً ليس إلا.

إيران نجحت في تكوين تحالفات وأذرعة إقليمية صلبة تقوم على أساس ولاء ديني ومُشبعة بمخزون طائفي يجعلها دوماً مُستعدة للصبر والتضحية في سبيل مشروع التمدد والهيمنة على المنطقة.

كما يبدو لافتاً قدرة الموساد وأجهزة المخابرات الغربية على تجنيد عملاء داخل إيران، بعضهم من كبار رجالات الدولة، الأمر الذي بدت معه إيران "مُستباحة أمنياً" كما وصفها الخبير في الشأن الإيراني الدكتور محمد محسن أبو النور. حيث لا يكاد يمر أسبوع من دون اكتشاف خلايا تجسسية جديدة في إيران تعمل لصالح الموساد أو أجهزة المخابرات الغربية. ويمكن ذكر نماذج ممن تم تجنيدهم كعملاء داخل إيران، مثل نائب وزير الدفاع علي رضا أكبري، والذي كان يعمل أيضاً مُستشاراً في فريق المُفاوضات النووية (تم إعدامه في كانون الثاني/يناير 2023). وزهرة لاريجاني، ابنة صادق لاريجاني الذي كان رئيساً للسلطة القضائية ورئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وعمّها علي لاريجاني الذي كان رئيساً للبرلمان الإيراني. وشهرام أميري العالم النووي الإيراني (تم إعدامه في آب/أغسطس 2016)، وأعضاء كبار في الفريق الإيراني المُكلف بالتفاوض مع الغرب حول الاتفاق النووي، اثنان منهم من المقربين من وزير الخارجية جواد ظريف، ومن بينهم أيضاً ممثل البنك المركزي الإيراني عبد الرسول دري أصفهاني.. إضافة إلى خلايا كثيرة يتم اكتشافها والإعلان عنها دون الكشف عن هوية أفرادها.

أخيراً

هل كل ما سبق يؤكد ما يردده البعض من أن إيران "نمر من ورق"؟ بالطبع لا، بل لدى إيران إمكانات قوة متعددة، وموارد طبيعية كبيرة تجعلها قادرة على المواجهة وتحمّل الحصار الاقتصادي، وأجهزة عسكرية وميليشيات عقائدية، وقد طورت صناعات عسكرية مهمة على رأسها الصواريخ الباليستية والمُسيّرات، إضافة إلى المفاعل النووي الذي تم تطويره بخبرات محليّة.

كما استطاعت الاستخبارات الإيرانية "إطلاعات" القيام باختراقات وتجنيد لعملاء داخل إسرائيل، مثل غونين سيغيف الذي كان سابقاً وزيراً للطاقة والبنية التحتية، وسواه.

في حالة تذكرنا بتجربة الاتحاد السوفييتي الذي كان يعاني من تخلف تقني واقتصادي وخدمي على كل الأصعدة، مقابل تطور في الصناعات العسكرية والعمل الاستخباراتي.

كما تجدر الإشارة إلى أن إيران نجحت في تكوين تحالفات وأذرعة إقليمية صلبة تقوم على أساس ولاء ديني ومُشبعة بمخزون طائفي يجعلها دوماً مُستعدة للصبر والتضحية في سبيل مشروع التمدد والهيمنة على المنطقة..

فالأيديولوجيا والصلابة لدى إيران وأذرعها أكثر حضوراً من الإمكانات، والقدرة على المُناورة والتكتيك وإدارة الصراعات والأزمات أكثر فاعلية من القدرة على إدارة الدول وتنميتها.

ما لا يمكن تجاوزه هو أن المشروع الإيراني قائم ومُتسارع، ولكنه مشروع للهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية ولسيطرة الميليشيات، والذي سينتج عنه - لا محالة - فوضى، ورفع لمعدلات الفساد، وانحدار اقتصادي، وشد للعَصَب الطائفي، وتصفية للمُخالفين. وليس في هذا الحديث أي جرعة تحليل أو استشراف، بل هو واقع حاصل ومُتعيّن في العراق ولبنان وسوريا واليمن. وهو المستقبل المُتوقع لأي بقعة جديدة تسيطر عليها إيران وأذرعها مستقبلاً.

ربما لا يتجاوز حديث البعض بإعجابٍ عن كوريا الشمالية أو إيران وسواهم عن أشواق الناس لأخذ دولهم لمُبادرات سياسية لصالح المنطقة وشعوبها ولصالح قضية فلسطين، حتى لو أغضبت الغرب وتجاوزت توقعاته، وهي مشاعر مُتفهمة ومحمودة، ولكن من دون إغفال حقيقة أن الوضع في داخل هاتين الدولتين ليس فيه ما يستحق الإعجاب.