icon
التغطية الحية

قاعدة حميميم.. مركز الثقل الروسي في سوريا وشاهد على إذلال الأسد

2020.08.20 | 18:24 دمشق

maxresdefault-4.jpg
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء لقائه قواته في قاعدة حميميم في كانون الأول 2017 بينما يقف الأسد ووزير دفاعه جانباً
إسطنبول - طارق صبح
+A
حجم الخط
-A

لم تكن بلدة حميميم تحظى بسمعة من أي نوع بين السوريين في ما قبل العام 2011، فقد عُرف عنها أنها "ضيعة" نائية تقع على بعد أربعة كيلو مترات شمال مدينة جبلة الساحلية في ريف اللاذقية، يميزها فقط قربها من مطار "باسل الأسد الدولي"، والذي كان مستخدماً، في غالب الأوقات، للرحلات الداخلية بين محافظة اللاذقية وبقية المطارات في المحافظات السورية.

 

 

مع تصاعد أحداث الثورة السورية، أنشأ نظام الأسد بداية العام 2014 في حميميم قاعدة صغيرة المساحة ببناء واحد، خصصها للطيران المروحي الذي كان يستخدم لقصف المدن والبلدات الثائرة، وتشاركت بعض المسارات مع مسارات هبوط مطار "باسل الأسد الدولي".

لكن مع التدخل الروسي في الحرب السورية إلى جانب نظام الأسد، برزت حاجة موسكو إلى مطار عسكري مؤهل فنياً لاستقبال الطائرات الروسية وانطلاقها لتنفيذ عملياتها القتالية، فشرع النظام منتصف العام 2015، بتأهيل القاعدة ومدرجاتها، وأنشأ بناءين إضافيين ومرافق أخرى، لتتمكن من استقبال الجنود الروس وطائراتهم.

 

حق روسي إلى أجل غير مسمى

في آب من العام 2015، وقّع النظام اتفاقاً مع روسيا يمنح الحق للقوات العسكرية الروسية باستخدام القاعدة في أي وقت ودون مقابل لأجل غير مسمى، وفي 30 من أيلول استخدمت القوات الروسية القاعدة بشكل رسمي كنقطة انطلاق لتنفيذ مهامها القتالية ضد فصائل المعارضة السورية، ليصبح دخول القاعدة حصراً على الروس دون أي حق للنظام في استخدامها، أو حتى دخول ممثلي الجمهورية العربية السورية إليها دون إذن مسبق، بحسب بنود الاتفاقية.

كما تذكر الاتفاقية أن "الوحدات العسكرية الروسية تتمتع بالحصانة من الولاية القضائية، المدنية والإدارية في سوريا"، ما يعني أن الجنود الروس لا يخضعون للقوانين السورية بأي حال من الأحوال.

بعد ذلك التاريخ، تواترت الأنباء عن تصاعد الحضور الروسي في المنطقة، تزامناً مع وصول أعداد كبيرة من القوات الروسية والمعدات العسكرية إلى القاعدة، وبدأت روسيا العمل على توسيع القاعدة، وذكرت مصادر محلية أن "مؤسسة الإسكان العسكرية" أحضرت معدات وآليات حفر كبيرة وبدأت في العمل على إنشاء مدرّج جديد بإشراف روسي، في حين أضافت روسيا أماكن إقامة لنحو 1000 من عناصرها، وبرج مراقبة للحركة الجوية، ومرافق للتخزين ومطابخ ميدانية، فضلاً عن محطات وقود ومرافق أخرى.

واستطاعت القاعدة خلال وقت قصير استقبال أنواع متعددة من الطائرات الروسية، منها ما استخدم للعمليات العسكرية والهجمات على المدن السورية والمدنيين فيها عبر الطائرات الحربية والمروحيات الحربية ومروحيات الدعم، كما استقبلت القاعدة طائرات النقل والشحن الروسية، فضلاً عن استخدامها كقاعدة توقف وانطلاق للمعدات العسكرية البرية الروسية، كالدبابات والمدرعات والمركبات المدفعية.

 

قاعدة عسكرية ومركز للمصالحة

في تشرين الأول من العام 2015، وبعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية من طراز "SU-24" بنيران طائرة حربية تركية، أقر الكرملين بتثبيت نظام الدفاع الصاروخي "S-400" في القاعدة، وذلك للدفاع عن المجال الجوي من جنوب تركيا إلى شمال إسرائيل، وفي مطلع العام 2016 نشرت روسيا مقاتلات سوخوي "Су-35" داخل القاعدة، وفي شباط من العام ظهرت طائرة من طراز توبوليف "Tu-204" في القاعدة، وهي طائرة عسكرية سوفيتية الطراز، مخصصة لنقل الجند والمعدات الحربية.

وبعد انطلاق المباحثات الأممية في جنيف، أسس الروس "مركز المصالحة والتنسيق في القاعدة الجوية في حميميم" في شباط من العام 2016، وألحقت به قناة إعلامية غير رسمية على وسائل التواصل الاجتماعي تحت اسم "القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية".

ووصف الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية حينها، اللواء إيغور كوناشينكوف، المركز عند الإعلان عن إنشائه بأنه "مركز لتنسيق العمل، وللمصالحة بين الأطراف المتنازعة على أراضي الجمهورية العربية السورية"، وقال إنه "سيسهم في التفاوض بشأن التصالح بين السلطات السورية وفصائل المعارضة، باستثناء تنظيمي جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإرهابيين".

في تشرين الأول من العام 2016، صادق البرلمان الروسي على المعاهدة بين موسكو ونظام الأسد، وفيما يخص قاعدة حميميم، نصّت بنود المعاهدة أن النظام هو المسؤول عن حماية محيط القاعدة، في حين تقع مسؤولية الدفاع الجوي الداخلي وحماية قاعدة الموظفين على الجانب الروسي.

وتتعرض قاعدة حميميم للهجوم عبر الطائرات المسيرة بين الحين والآخر، بعضها تمكن من استهداف المطار وإحداث أضرار مادية ودمار في المعدات داخله، فيما تفشل هجمات أخرى نتيجة استهدافها من قبل الدفاعات الجوية المسؤولة عن حماية المطار وأمنه.

وتتهم روسيا فصائل المعارضة بالوقوف وراء الهجوم، فيما تقول فصائل المعارضة إن استهداف القاعدة يأتي ردأ على الدعم الذي تقدمه روسيا لنظام الأسد، ومشاركتها في شن الغارات ضد مناطق المعارضة، والتي تسببت في قتل وإصابة آلاف المدنيين، وتدمير البنى التحتية من مدارس ومستشفيات ومراكز صحية ومدنية.

نهاية العام 2017 وافق الرئيس بوتين على هيكل وأفراد قوة قاعدتي حميمي وطرطوس، وأعلنت موسكو أنها تدرس إنشاء تجمع دائم لقواتها في قاعدة حميميم، وكذلك في المرفق البحري في مدينة طرطوس.

توسّع بعد توسيع

في أيار الماضي، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً، يقضي بإجراء وزارتي الدفاع والخارجية في حكومته مفاوضات مع نظام الأسد في دمشق للحصول على منشآت ومواقع برية ومائية إضافية، بهدف توسيع قاعدة حميميم الجوية في مدينة جبلة بريف اللاذقية، وقاعدة طرطوس البحرية الروسية.

وذكرت وكالة "إنترفاكس" الروسية أن بوتين يرغب من خلال إصداره للمرسوم في تسليم العسكريين الروس منشآت إضافية وتوسيع نفوذهم البحري في سوريا.

وينص المرسوم على السماح لروسيا فعلياً بتوسيع القاعدتين العسكريتين الروسيتين في سوريا، ما يسهّل على موسكو إرسال المزيد من القوات والأسلحة والعتاد إلى القاعدتين.

ويوم أمس، نشرت البوابة الرسمية للمعلومات القانونية الروسية، وثيقة تنص على منح نظام الأسد قطعة أرض مساحتها ثمانية هكتارات، مع مساحة مماثلة في المياه الإقليمية السورية للقوات الروسية، من أجل إنشاء مركز طبي للصحة والتأهيل ومنشآت أخرى للمنفعة الروسية.

وأوضحت الوثيقة أن روسيا سوف تتحمل كلفة بناء وتجهيز المرافق المزمع إنشاؤها في الموقع بالإضافة للبنية التحتية اللازمة لها، بينما يمنح النظام الأراضي لروسيا بصفة مؤقتة ودون مقابل أو كلفة.

وذكرت الاتفاقية أن على الحكومة السورية التفاوض مع أصحاب الأراضي السوريين الذين سيتم منح ممتلكاتهم للروس، دون تدخل من الطرف الروسي.

كما تجيز الاتفاقية للروس بطلب مواد البناء ومستلزمات الإنشاءات من الحكومة السورية إذا لزم الأمر، كما يحق للروس استخدام اليد العاملة السورية في أعمال البناء والتجهيز، على أن يكون ذلك ضمن اتفاق بين الطرفين.

 

شاهد على إذلال الأسد

ولعل أبرز الصور التي لا تمحى من ذاكرة السوريين، هي مشاهد إذلال رأس النظام بشار الأسد عند إحضاره ذليلاً مهاناً إلى قاعدة حميميم للقاء المسؤولين الروس.

اللقاء الأول عقده وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 18 من حزيران 2016، الذي زار القاعدة وتجول في أرضها، ومن ثم استقبل الأسد داخل أحد مكاتبها.

 

 

وفي كانون الأول من العام 2017، حصل اللقاء الثاني عندما زار بوتين القاعدة بشكل مفاجئ، والتقى الضباط الروس المشرفين على العمليات العسكرية في روسيا، واستدعي الأسد حينها على عجل للقاء بوتين، في لقاء تعمّد الأخير خلاله إذلال الأسد أكثر من مرة، وإظهاره كأنه جندي من الدرجة الثالثة بين ضباطه الروس، وليس من مصاف قادته وضباطه، خاصة بعد أن جرّده من مرافقته الشخصية ووضعه بين عناصره أثناء استقباله، ومنعه أحد الضباط من اللحاق ببوتين أثناء العرض العسكري.

 

 

ويرى محللون أن إصرار بوتين في ذلك اللقاء على إذلال الأسد، هو بهدف إيصال رسالة مفادها أن روسيا هي من تحكم سوريا، ولها كلمة الفصل فيها، والأسد ليس سوى أحد الجنود الروس ويأتمر بإمرة بوتين.

 

اقرأ أيضاً: زيارة إلى حميميم.. تمييز ديني ومضافة بأموال صهر الأسد

اقرأ أيضاً: الوجود الروسي في سوريا والصراع مع الناتو

كلمات مفتاحية