ما سر الغضب الفرنسي من تركيا في ليبيا؟

2020.07.01 | 00:01 دمشق

1593458406145_f1_6-660x330.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ عام 2011 تحفظت تركيا على الدفع الفرنسي باتجاه التدخل العسكري في ليبيا وحاولت إحباط هذا المسعى وتفريغه من محتواه ولكن تعسف نظام القذافي واستخدامه القوة ضد المدنيين جعل تركيا تتخذ موقفا ضده، ومع ذلك حاولت تركيا تقنين تدخل الناتو من خلال ربطه بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

بالطبع لا تُعد ليبيا هي ساحة الخلاف الوحيدة بين باريس وأنقرة فليس من المخفي أن باريس تعارض انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي بكل قوة، كما أنها تقف ضد سياسة تركيا في سوريا وقد عارضت بكل قوة حملة تركيا لطرد وحدات الحماية من عفرين، كما اعترفت باريس بقضية ما يسمّى بـ "الإبادة الأرمنية"، بالإضافة إلى السماح بنشاطات حزب العمال الكردستاني في باريس والتضييق على الأئمة والخطباء الذين ترسلهم تركيا لأوروبا والتجسس عليهم، وغيرها من القضايا.

لكن مع ذلك تصاعد الغضب الفرنسي من تركيا بعد الدعم الكبير الذي قدمته لحكومة الوفاق مما قلب المعادلة في ليبيا بعدما كان حفتر يهدد طرابلس ويحاصرها ليضطر للهروب إلى سرت وما بعدها وليتدخل حلفاؤه لإنقاذه، وقد أدى هذا إلى كشف الوجه الحقيقي لفرنسا التي كانت تدعي بالعلن أنها تؤيد الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة لكنها بالحقيقة كانت تقف بكل قوة خلف ميليشيات حفتر، كما أنها وطمعا في موارد ليبيا اصطفت مع روسيا في دعم حفتر ومن المعلوم أن دول الناتو الأوروبية تعتبر وجود روسيا على الساحل الليبي تهديدا وشيكا لأمن القارة العجوز.

لم يكتف الرئيس الفرنسي بالتصريحات الغاضبة على تركيا والتي أشار فيها إلى لعبة خطيرة تمارسها تركيا في ليبيا وأن فرنسا لن تسمح لتركيا بمواصلة دورها الحالي بل أجرى اتصالات مكثفة مع كل من بوتين وترامب بالإضافة للتواصل مع مصر وتونس من أجل ترسيخ الأدوار المعيقة لأي دور تركي.

وعمليا انتقلت المناوشات من المجال الدبلوماسي للمجال العملي فقد تناوشت البحرية التركية والفرنسية بعد رفض البحرية التركية تفتيش سفينة كانت متجهة إلى ليبيا، وحذرت السفينة التركية الفرقاطة الفرنسية إذا لم تتراجع بأنها ستضعها في مرمى نيرانها.

كما اعتقلت تركيا خلية تجسس فرنسية في إسطنبول مكونة من 4 أشخاص كانت تقوم بالتجسس على الجماعات الدينية التركية وذلك وفقا لما نشرته صحيفة صباح التركية قبل أسبوع.

لعل سر الغضب الفرنسي يرجع إلى عدة أمور ولكن أولها أن مسار الأحداث الحالي تمتد آثاره إلى ما بعد تثبيت حكومة الوفاق في ليبيا أو حتى مكاسب شركة توتال الفرنسية في قطاع الغاز أو النفط. يبدو أن تركيا كما تقول الكاتبة في صحيفة يني شفق مروة شبنم أوروتش، قد أفسدت لعبة فرنسا في ليبيا، ونضيف لهذا أن إفساد اللعبة الفرنسية من قبل تركيا جاء من عدة نواحٍ:

يعد تنسيق أنقرة لخطواتها مع واشنطن في ظل التوتر بين ترامب وماكرون سببا مهما لانزعاج الأخير، خاصة مع استغلال أنقرة لوقوف باريس مع موسكو في جبهة حفتر وتحديدا بعد وصول المقاتلات الروسية لقاعدة الجفرة حتى أن أنقرة حسب آخر تصريح لوزير الخارجية التركي قد نجحت في تعديل سياسة واشنطن الداعمة لحفتر.

من جانب آخر نجحت أنقرة في الاستفادة من التنافس الفرنسي الإيطالي على مكاسب الطاقة وفي تحويل ذلك لدعم ملموس من الحكومة الإيطالية لحكومة الوفاق وهو أمر بالتأكيد يزعج باريس ويضاف لهذا تواصل تركيا مع المستشارة الألمانية التي تتنافس على زعامة أوروبا مع فرنسا للضغط على فرنسا أو على الأقل عدم التماشي معها ضد تركيا.

تعتبر فرنسا ليبيا وتحديدا منطقة سرت منطقة مهمة لتجميع ثروات الذهب واليورانيوم التي تجمعها من النيجر وتشاد وبالتالي فإن وجود تركيا في هذه المنطقة يعطل مخططات باريس في هذه الملفات وفي ملف الوجود العسكري وفي التواصل مع أماكن نفوذها التاريخية منذ الحقبة الاستعمارية ويؤثر على مكانتها حتى لدى الدول التي تملك فيها دورا عميقا في الساحل الإفريقي.

لا يوجد ما يدل على إمكانية تخفيف التوتر بين فرنسا وتركيا وفق المعطيات الحالية ويحاول كل طرف الضغط على الآخر ولكن النظر إلى خسارة ماكرون للدعم داخليا في الأسابيع الأخيرة كتقييم لسياسته الخارجية والتي تعد ليبيا إحدى ملفاتها وقد يتسبب هذا في جنون ماكرون وخروجه عن الحكمة كما فعل عندما اتهم الناتو بأنه في حالة موت سريري ليرد عليه أردوغان بأن على ماكرون "أن يتحقق إن كان هو في حالة موت سريري أم لا"!!!

سيستمر التوتر التركي الفرنسي ولعل هذا سيجمع الأطراف المناوئة لأنقرة معا ولا نستغرب إن كانت فرنسا من ضمن الذين سيسعون لإزعاج أنقرة من خلال حزب العمال الكردستاني ويرجح أنها حاضرة في هذا الملف من قبل، ولذا لم تتوقف أنقرة عن توجيه الضربات لحزب العمال في العراق لمنع أي استخدام أجنبي لهم ضدها وخاصة بعد المكاسب التي حققتها في ليبيا.