ما القرار الذي تسبب باغتيال زهران علوش؟

2020.12.25 | 23:04 دمشق

top-syrian-rebel-leader-killed-in-an-airstrike-ne-2-2513-1451221488-3_dblbig.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد أيام من مؤتمر الرياض الذي عقد في كانون الأول عام 2015 والذي وقع عليه وشارك فيه جيش الإسلام للالتزام بحل سياسي، جاء خبر اغتيال زهران علوش قائد ومؤسس جيش الإسلام.

القائد الذي اكتشف أن الحديث عن جيش عسكري يحمل اسم "الإسلام" ويرفع "رايته السوداء"، لن يكون له المستقبل السياسي في سوريا ولذلك بدأ يتدارك بعض أفكاره التي كان مصراً عليها بعد خروجه من سجن صيدنايا. وأستطيع تذكره بمشهد لا يمكن لي نسيانه حينما كنا نجلس في بيته ليقول لنا في خضم تأسيس سرية الإسلام: "أريد شعار ختم النبوة (محمد رسول الله) كنقش على راية سوداء شعاراً لأربعة عشر مقاتلاً"، كانوا نواة تشكيله العسكري والذي أطلق عليه حينها "سرية الإسلام".

لكن زهران رغم تمسكه بشكل الراية ولونها واسم الفصيل الذي أطلق عليه "الإسلام" وأطلق بعدها على اسم متحدثه الرسمي للفصيل أيضا الاسم المستعار (إسلام)؛ إلا أنه ومنذ البداية كان محذراً من الغلو وكان يذكر أن السلاح سيكون "فرض عين لدفع الصائل ولن نرفعه إلا بالفتوى"، وكان بتلك الفترة يقول لمن حوله عن المناظرات التي حدثت في الفروع الأمنية وسجن صيدنايا العسكري مع من كان يطلق عليهم "الغلاة" والذين أعلنوا الدولة الإسلامية وبعضهم الإمارة الإسلامية داخل السجن. فكان ينكر عليهم أشد نكران ويتهمهم بالخوارج والغلاة بل حتى كان يقول لمن أسس لجانبه سرية الإسلام إن هؤلاء الغلاة سيخرجون ويؤسسون فصائل ولربما سيأتي اليوم الذي سيقاتلوننا ونقاتلهم لأنهم سيكفرون كل من لا ينتمي إليهم.

فكان لزهران فكره المعتدل رغم محاولة خصومه حشره ضمن زمرة القاعدة وداعش بل كان خصمهم قبل الثورة وداخل السجون، ولربما هذا ما دفع خصومه للمبالغة في طرحهم ضده لأنه كان يتحول للبراغماتية والنفعية السياسية، فهو صاحب مشروع سياسي لجانب عمله العسكري بدليل تشكيله مجلس الشورى بداية تحرير مدينة دوما وتأسيس ودعم الجانب المدني والمحلي وإنشاء مكتبه السياسي في الداخل والخارج وتعيين ممثلين سياسيين في تركيا للمشاركة باجتماعات الفصائل بتلك الفترة سواء في كل من تركيا وقطر والسعودية ومصر وأوروبا وأميركا.

وبالتزامن مع تطور مكتبه السياسي كان قد أعطى أوامر بتعميم رسمي بإلغاء مظاهر اللباس (القندهاري) التي يرتديها مقاتلو داعش، ومنع إطالة الشعر لعدم التشبه بهم وألغى الراية السوداء التي كتب عليها بتأسيس سريته شعار التوحيد وانتشرت راية الثورة بكل مقرات جيش الإسلام وبشكل رسمي.

لكن تلك التحولات السياسية التي يؤمن بها أي صاحب مشروع عسكري ووطني كانت تخيف خصومه العلمانيين الذين كانوا يرون بالنصرة وداعش قضية خاسرة لا تستحق دخول معتركها، فهم مصنفون على قوائم الإرهاب وتصريحاتهم بالجهاد العالمي وإقامة الدولة الإسلامية لا تجعل منهم خصوماً سياسيين، لذلك كان الخطأ الذي يرتكبه زهران علوش بتصريح أو فعل يتم صناعة دراما منه ويتحول لقضية إعلامية ومناشدات دولية ووساطات وتدخلات خارجية، وهذا أبدا لا يعني أن زهران منزه عن الخطأ أو أنه لم يتعرض بالمضايقة لبعض خصومه، إلا أنه ورغم كل زلاته لم تتحول معاركه الفكرية والعقدية مع خصومه لحروب عسكرية كما حصل بعد اغتياله، بل قبل اغتياله كاد خصمه أبو النصر شمير أن ينضم إليه، وقد رأيت بتلك الفترة راية فيلق الرحمن قد وضعت في مقر أركان جيش الإسلام إلى جانب راية الجيش والثورة، كذلك قام زهران بتأسيس القيادة الموحدة إلى جانب خصومه الذي يعتبرهم أشعريين أو إخوان مسلمين وتم تنصيب نائبه بالقيادة (أبو محمد الفاتح) قائد الاتحاد الإسلامي وتم تنصيب قائد القضاء الموحد (خالد طفور) شرعي الاتحاد.

وبالتالي كان زهران مؤمناً بالمشروع السياسي الذي يجعل من خصومه حلفاء، لكن تلك المراجعات لم تأت دفعة واحدة بل تدريجياً بعد خروجه من صيدنايا وسفره لخارج سوريا واجتماعاته مع شخصيات دولية ومرجعيات فكرية وسياسية.

 

اغتيال زهران علوش

كان زهران رغم تحولاته السياسية وحضوره الاجتماعات الدولية بدول الجوار يتحدث عن عدم التعاطي الجدي بأي محادثات لوقف إطلاق النار وفتح المعابر عن الغوطة المحاصرة حينها.

وقبيل اغتياله حدثت مفاوضات كان طرفاً بها ولأول مرة كان يقبل بوقف إطلاق النار وفتح المعابر بعد الحالة المأساوية التي كان يعيشها الأهالي حينها، إلا أن القصف والمعارك ومحاولة تسلل قوات النظام شرقي الغوطة لم تتوقف.

وكان بالتزامن مع حضوره اجتماعات خارج سوريا، ينسق مع رئيس أركانه (أبو معروف) لأجل العملية العسكرية التي أطلق عليها معركة "تكسير العظم" والتي عرفت لاحقاً بمعركة "الله غالب"؛ المعركة التي كانت الأطراف الدولية تعارضها. فدمشق التي لا ينبغي أن تسقط بيد مسلحين وإسلاميين يبعدون عن الحدود الإسرائيلية مسافة 30 دقيقة بالسيارة كانت "خطاً أحمر"، وكذلك الجبال المطلة على دمشق والتي تحتوي على الأركان الاحتياطية ومخازن السلاح والتي تفصل الطريق الدولي M5 عن مدينة دوما، كانت تعتبر أيضاً خطاً أحمر يمنع لأي فصيل تجاوزها، وكان قرار زهران المضي بمسارين مع الأطراف الدولية.

مسار تفاوضي سياسي ومسار عسكري يكون في المرحلة الأخيرة لاعتبارات كثيرة ربما الإفصاح عنها لم يعد مهماً، ألا وهو شح الذخيرة وانعدام الطعام ووصول حالة المخزون العسكري واللوجستي لمرحلة سيئة بتلك الفترة، ولذلك قرر زهران علوش وضع كل الإمكانيات والتجهيزات من مؤن وطعام وذخيرة من أجل تلك المعركة، لتكون بحسب ما أعلن عنه قائلا "معركة تكسير العظام أي أنها المعركة التي ستكسر عظم النظام أو ستسبب كسر عظم القائم بها".

وهذا ما حدث، فقد خرج زهران من اجتماعه في الأردن وهو يقول لصاحبه الشهيد محمد الأجوة ونائبه ومعاونه إنهم غير متعاونين بفك حصار الغوطة (الجهات الدولية التي حضرت ذلك الاجتماع). وإنهم رغم قبولنا المفاوضات وحضور الاجتماعات وتقديم بعض التنازلات، إلا أن الأطراف الحاضرة لا تريد إنهاء ملف الغوطة الآن بفك حصارها وفتح معابرها وبقاء ثوارها فيها بعد تثبيت مؤقت للنقاط.

وبعد ذلك الاجتماع أبلغ زهران رئيس أركانه بإكمال التجهيز لتلك المعركة التي عرف زهران أنه سيدفع حياته ثمناً لقراره، وعاد زهران فور انتهاء اجتماعاته تلك الفترة للغوطة وبنفس يوم عودته للغوطة أبلغني كي أحضر أحد اجتماعاته التي حضرها أيضاً معاوناه أبو نوح الأجوة وأبو علي الأجوة في أركان جيش الإسلام الذي بناه وشيده تحت ما يعرف بالبرج الطبي المحصن بشكل جيد ويقع تحت الأرض بطوابق متعددة.

وكان الاجتماع يدور عن المجزرة التي حصلت في دوما حيث كان النظام يصعد في تلك الفترة قصفه بالصواريخ الفراغية وفي يوم الاجتماع نفسه وقعت مجزرة وسط ساحة المجاهدين (الغنم) في دوما وكانت الحصيلة ما يزيد عن مئة شهيد مدني ولذلك طلب مني زهران حضور الاجتماع لتزويده بحصيلة الضحايا ونتائج القصف على المدنيين.

 

 

وبعد ذلك سألته هل سيكون هنالك ردّ؟ فضحك وقال "بالله ما رأيك"؟

قلت له: "حسب نتائج مفاوضاتكم"، أجاب الدول تريد فقط منا عدم الرد وعدم خوض أي معارك ولا تضمن ذلك من النظام ونحن سنرد بكل ما آتانا الله من طاقة وقوة وعزم.

وخرجت من ذلك الاجتماع وأنا مدرك أن مدينة دوما ستمر بأيام صعبة من القصف والقتال والدمار ولن تكون هناك حلول سياسية.

وبعد تلك المجازر بفترة قصيرة تم طلب بعض الإعلاميين من مدينة دوما والغوطة ولا سيما المقربين من جيش الإسلام ولا أنكر أني كنت بتلك الفترة من المقربين لزهران وقد صرح لي بتغطية المعركة دون الرجوع حتى للمكتب الإعلامي الرسمي للجيش وهذا ما أثار حينها حفيظة مدير المكتب الإعلامي الرسمي وبدأت معركة تسلل ثوار جيش الإسلام من محورين عبر نفق في منطقة "الشمالي" شمال مدينة دوما ونفق من جهة كرم الصاص باتجاه ضاحية الأسد. وهما المنطقتان اللتان شكلتا الخط الأحمر بالنسبة لكثير من الدول، فشمال مدينة دوما طريق M5 الدولي ومنطقة كرم الصاص تطل على ضاحية الأسد من جهة مشفى حرستا العسكري المنطقة التي تعتبر معقل وسكن كبار ضباط النظام وعوائلهم. وقد دخلت مع كاميراتي ومعداتي الإعلامية للنفقين المطلين على تلك المنطقة الخطيرة وبعد صلاة الفجر اختطلت دموع المقاتلين بأصوات تكبيرهم وتكبير المآذن وهم يتسللون عبر نفق منطقة الشمالي للجبال من تحت الأتستراد الدولي، وفعلا وصل المقاتلون للجبال المطلة على مدينة دوما وضاحية الأسد وحرستا ودمشق والمنطقة وتسلقوا أعالي التلال ورفعوا رايات الثورة بعد أن قتلوا وأسروا المئات من شبيحة النظام ومقاتليه.

 

 

وقد طلب من جميع المقاتلين والناشطين لباسا موحدا (مموها) لأن ذلك اللباس لونه كلون الصخور والجبال منعا من الاستهداف من المسيرات والاستطلاع وكان زهران يدير العملية عبر كاميرات حرارية بدقة عالية نصبت أعلى البرج الطبي وعبر منظومة لاسلكيىة وهو يعطي أوامره بتتبع الخطة العسكرية حتى بعد نجاح دخول محور الجبال شمالي دوما. خرج زهران على دراجته الجبلية وبندقيته على ظهره ورافقه أبو النصر شمير قائد فيلق الرحمن وباقي قيادات جيش الإسلام في جولاتهم على ظهر الجبل المحرر.

 

 

صُدم النظام بنجاح المقاتلين ووصولهم إلى أعالي تلك الجبال وقتلهم المئات من عناصره، وخلال أيام قليلة توجهت مؤازرات ضخمة لحزب الله اللبناني من جبال القلمون وضاحية بيروت لمحيط ضاحية الأسد ومحيط دمشق خوفاً من تسلل قوات المعارضة ووصولها إلى معاقل النظام.

ثم ما لبث أن مرّ الأسبوع الأول من المعركة إلا وقد سقطت الأركان الاحتياطية السرية داخل تلك الجبال، وهي أركان محصنة ضد هجمات الكيماوي ومجهزة بأنفاق داخل الجبال تصل للعاصمة دمشق، الأمر الذي استدعى تحركاً دولياً.

 

 

وفعلا كانت التصريحات الروسية على لسان لافروف بأنه لولا التدخل بعد معركة الله غالب لسقطت دمشق.

وبعد مرور الأسبوع الثاني من المعركة، تغيرت ملامحها تدريجيا، حيث بدأ الطيران الروسي غير المعهود سابقاً بحرق المنطقة وتحقيق إصابات دقيقة جمعها الروس من خلال الطائرات المسيرة التي تعطي إحداثيات مباشرة لأي تحرك على ظهر الجبال المكشوفة، ناهيك عن القوة التدميرية للصواريخ الروسية والتي كانت تتسبب بتدمير أبنية بالكامل داخل الجبال.

شاهد المقاتلون الصواريخ الارتجاجية لأول مرة والتي كانت تستهدف تحصينات المعارضة تحت الأرض، الأمر الذي بدأ يغير مجرى العمليات ويزيد أعداد ضحايا الثوار المرابطين على تلك الجبال. ولم تمض أشهر على المعركة إلا وقد كلفت الثوار ضريبة كبيرة تجاوزت الألف شهيد وآلاف الجرحى، وأدى التدخل الروسي لانسحاب المقاتلين بالنهاية.

كان زهران بعد نهاية هذه المعركة مدركاً أنه المستهدف الرئيسي الآن وقد يعلم من كان حوله في تلك الفترة أنه استبدل بعض كوادره الأمنية المرافقة له وغيّر مكان إقامة زوجته لمزرعة في منطقة "العب"، ولم يستخدم الأجهزة الفضائية والتواصل، ولكن قدرة الله لم تمنع وصول الإحداثيات أو نقل الأخبار من الجواسيس، فقد تم أخيراً استهداف زهران من خلال الطيران الروسي في كتيبة الباتشورا شرقي دوما والتي كان يذهب إليها زهران كل فترة إما للرمي وإما لركوب الخيل، وكان ذلك في يوم الجمعة من يوم 24-12-2015.

ولم تشهد المنطقة في ذلك اليوم قصفاً على مدينة دوما، بل كان الطيران قد خرج فقد لاستهداف موكبه داخل الكتيبة الأمر الذي يرجح وصول أخبار مؤكدة تفيد بوجود زهران علوش في تلك الكتيبة، وهذا أمر لا أتهم به جهة معينة أو اسماً معيناً كي لا يستثمره البعض، وإنما هو تحليل شخصي قد يحلله أي قارئ ومتابع وشاهد لتلك الحقبة والفترة.

استشهد زهران بعد ضريبة قتاله لداعش التي أوجدتها المخابرات العالمية واستشهد زهران ضريبة لدخوله الجبال التي يُحرم على المعارضة الوصول إليها واستشهد معه 1000 مقاتل سطروا بدمائهم أسطورة خالدة في "الله غالب".