icon
التغطية الحية

"سنعود أدراجنا".. ظروف مأساوية للعائلات على حدود اليونان وتركيا

2020.03.08 | 18:52 دمشق

20200307_2_41238844_52868232.jpg
تلفزيون سوريا - وكالات
+A
حجم الخط
-A

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيزور بلجيكا الإثنين لمناقشة مسألة الهجرة مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، داعياً اليونان إلى "فتح الأبواب" أمام المهاجرين الراغبين في الوصول إلى أوروبا.

وقال أردوغان في فعالية بمدينة إسطنبول بمناسبة "اليوم العالمي للمرأة"، "سألتقي مسؤولين في الاتحاد الأوروبي غداً الإثنين في بلجيكا لمناقشة مسألة الهجرة.. آمل أن أعود من بلجيكا بنتائج مختلفة".

واستنكر الرئيس التركي تعامل قوات الأمن اليونانية مع طالبي اللجوء وخاصة النساء منهم، واستخدامها العنف لمنعهم من دخول أراضيها بهدف الوصول إلى دول أوروبا الغربية، وانتقد أيضاً الصمت الدولي بحق ما يعانيه طالبو اللجوء على الحدود اليونانية.

وتابع أردوغان "لم نشهد إدانة من أحد للعنف الذي يُمارس ضد طالبات اللجوء المحتشدات أمام أبواب أوروبا.. لم نر أحدا يرفع صوته مندداً بتعامل السلطات اليونانية غير الإنساني مع طالبي اللجوء.

ودعا أردوغان في هذا الإطار، اليونان، إلى فتح أبوابها أمام طالبي اللجوء. مؤكداً أنهم مجرد عابرين إلى باقي الدول الأوروبية.

 

المهاجرون على حدود تركيا مع أوروبا .. الكل يريد أن يكون سورياً

يعتقد السوريون المتكدسون على حدود تركيا مع اليونان أن آمالهم في العثور على ملاذ في الاتحاد الأوروبي تتبدّد بسبب وجود آلاف المهاجرين الآخرين الواقفين على الحدود ولهم أوطان آمنة نسبياً.

وعلى الحدود تفوق أعداد الأفغان والباكستانيين عدد السوريين الذين نزحوا عن بيوتهم هرباً من نظام الأسد ويقول السوريون إن أغلب المهاجرين ركبوا موجة الهجرة لأسباب اقتصادية ويدعون بعد ذلك أنهم سوريون.

وقال يحيى رئيس (20 عاماً) القادم من حلب لوكالة رويتزر "أشعر بالغضب عندما أقابل أشخاصاً من المغرب وباكستان وحتى أفغانستان لأنه لو أنَّ هنا ألفين أو ثلاثة آلاف سوري فقط فربما كانت اليونان توافق على فتح الحدود فهم يعرفون أننا لاجئون حقيقيون".

ويحاول ألوف المهاجرين الوصول إلى اليونان منذ قالت تركيا في 28 من شباط شباط إنها لن تحاول إبقاءهم في أراضيها تنفيذاً للاتفاق الذي توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبي في 2016 مقابل مساعدات أوروبية بمليارات اليورو.

وقالت تركيا إنه لم يعد بمقدورها احتواء مئات الآلاف من المهاجرين الذي تستضيفهم وخاصة في ضوء احتمال تدفق المزيد من اللاجئين الفارين من اشتباكات عنيفة في شمال غرب سوريا غير أن اليونان تحاول منع المهاجرين من دخول أراضيها.

ويشارك لبيب مرغي صديقه يحيى رئيس نفس الشعور تجاه المهاجرين الآخرين، وقال مرغي (16 عاماً) "لا توجد حرب في المغرب ولا في الجزائر ولا حرب في باكستان ... حتى في أفغانستان الوضع أفضل من سوريا. اضطررنا للرحيل لأن حكومتنا تريد أن تقتلنا أو تخرجنا من بيوتنا".

ومن جهتهم أوضح مهاجرون من شمال إفريقيا إنهم جاؤوا إلى الحدود دون وثائق هوية حتى يمكنهم ادعاء أنهم سوريون لتعزيز فرص حصولهم على حق اللجوء إذا استطاعوا الوصول إلى الاتحاد الأوروبي.

وقال بدر عباسي المغربي "زعماؤنا فاسدون ولذلك لا توجد لنا فرصة في حياة كريمة. إذا استطعت بإذن الله الوصول إلى الاتحاد الأوروبي فسأقول إنني من سوريا وإلا فإنهم سيعيدونني". وهز رفاقه رؤوسهم موافقين على كلامه وهم يحتسون الشاي.

وبخلاف الرغبة في مستقبل أفضل يعتقد المهاجرون من أمثال عباسي أن لديهم سببا وجيها آخر للتظاهر بأنهم سوريون. ففي ألمانيا، التي تمثل مع السويد الوجهة المفضلة في أوروبا بين المهاجرين، يحصل كل السوريين تقريبا على شكل ما من أشكال الحماية ويُسمح لهم بالبقاء. غير أن الرفض مصير أكثر من 20 في المئة من طالبي اللجوء الأفغان.

وقال مرغي القادم من مدينة إدلب في شمال سوريا "الكل هنا يريد مستقبلاً أفضل، لكن الناس الذين لهم بلد يعودون إليه عندهم رفاهية لا نقدر سوى على الحلم بها. سوريا انتهت".

وأشار وزير الداخلية التركي سليمان صويلو يوم الأربعاء الفائت إلى أن السوريين يمثلون ما بين 20 و25 في المئة فقط من بين 136 ألف مهاجر وصلوا إلى أوروبا منذ امتنعت تركيا عن منعهم من الرحيل.

 

"لم نكن لنأتي إلى هنا لو علمنا أن الوضع هكذا"

ونشر موقع "مهاجر نيوز" تقريراً حول معاناة طالبي اللجوء على الحدود التركية اليونانية، يتضمّن مقابلات مع عائلات سورية تحاول منذ أيام اختراق الحدود التي يغطيها الغاز المسيل للدموع.

وفي ظل الأوضاع الإنسانية السيئة، والعنف المتواصل بحقهم، بدأ بعض طالبي اللجوء يفكرون بالعودة من حيث أتوا، فيما ترى عائلات أخرى في العودة خيبة جديدة قد لا تقوى على تحملها بعدما فقدت الكثير من المال وتعرضت للعنف والإهانة.

بكاء لا ينقطع، مهما حاولت هالة تهدئة ابنها فهو لا يتوقف عن الصراخ، تسعى جاهدة لإرضائه خوفاً من أن تفقد سيطرتها على باقي أولادها الثلاثة، جميعهم في خيمة صغيرة، "على الأقل أصبح لدينا خيمة على عكس أغلب الأشخاص هنا"، يقول زوجها لمهاجر نيوز.

يقترب مضر من زوجته ويعطيها غطاء إضافياً علها تجد فيه بعض الدفء مع حلول الليل، "عطفوا علينا مهاجرين مغاربة حينما رأونا وأعطونا خيمتهم، لم أكن أريد أخذها لكنهم أصروا من أجل الأطفال. أعطونا خيمتهم وهم لم يتبق لهم شيء".

قبل تلك الخيمة الصغيرة، كانت العائلة تجتمع فوق غطاء صوفي رقيق وضعته على الأرض، يلهو الأطفال الأربعة ولا يتوقفون عن الحركة من مكان إلى آخر، "لا ترمي العلبة الفارغة في الأرض. انتبهي على ثيابك كي لا تتسخ"، تحاول الأم جاهدة تأديب أطفالها وفرض القواعد المنزلية الخاصة بها على حدود الغطاء الصغير الذي أضحى بيتها المؤقت.

 

5de0d34351c415e4db397b634821ebafef6e12da.jpeg
الأم السورية هالة تحاول تهدئة ابنها الصغير في أدرنة قرب الحدود التركية اليونانية. الصورة: مهدي شبيل

 

تحاول العائلة السورية المتحدرة من حلب أن تأخذ قسطا من الراحة في محطة حافلات مدينة أدرنة الحدودية شمال غرب تركيا، التي افترشها حوالي 200 مهاجر من مختلف الجنسيات، أغلبهم أفغان وإيرانيون، إضافة إلى بعض السوريين والفلسطينيين والعراقيين.

الأب الأربعيني يجلس بثقة يراقب ما يجري من حوله بذهول، "وصلنا منذ يومين إلى أدرنة من مدينة مرسين حيث نقطن منذ حوالي سبعة أعوام، جئنا لعبور الحدود بعد إعلان أردوغان فتح حدود بلاده".

تقاطعه هالة التي لا تخفي دهشتها مما يجري "لم نكن لنأتي إلى هنا لو علمنا أن الوضع هكذا. لا أحد يرغب بأن يعرض نفسه لتلك الظروف. ابني رضا ذو العام ونصف حرق يده صباح اليوم بعد أن تعثر بالقرب من النار التي كنا قد أشعلناها للحصول على بعض الدفء. أمضى زوجي أكثر من 4 ساعات في المستشفى لمعالجة الحرق".

سوء أحولهم المادية خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي مرت على تركيا دفعت العائلة إلى ترك مرسين، "لا نستطيع إخفاء حقيقة أن وضعنا في تركيا في البداية لم يكن في غاية السوء، لكن اشتدت الأحوال المادية سوءا ومن ثم بدأنا نتعرض لبعض المواقف العنصرية. إلى أين نذهب؟ للأسف لا نستطيع العودة إلى سوريا لأن زوجي مطلوب لدى سلطات النظام السوري، وبقي الحل الوحيد لتأمين مستقبل أطفالنا هو أوروبا".

عائلة مضر وهالة ليست العائلة السورية الوحيدة القادمة من مدينة مرسين التي تبعد حوالي 1200 كلم عن أدرنة، فطارق وزوجته وأولاده الثلاثة أيضا أتوا من مرسين فور سماعهم إعلان فتح الحدود.

"الوضع في تركيا أصبح لا يطاق. أنا أعمل يوميا في الأراضي الزراعية لأكثر من 12 ساعة ولا أحصل سوى على القليل من المال. لا يوجد مستقبل لي ولعائلتي في تركيا"، يقول طارق الذي كان متأكدا من أن الحدود ستكون مفتوحة أمامهم بحسب ما شاهده على وسائل الإعلام.

"حاولنا المرور عبر بازاركولي يوم السبت، لكن كل شيء كان مغلقاً. وبعدها بناء على توجيهات من الجندرما التركية توجهنا إلى نهر إيفروس، مشينا حوالي 50 كيلومتراً في الغابات قبل أن نركب على متن القارب المطاطي. عبرنا النهر وأمسكتنا الشرطة اليونانية فوراً وتعاملت معنا بشكل مريع. يضربون الجميع دون رحمة".

عادت العائلة المتحدرة من محافظة حماه خائبة، وأمضوا ليلتهم في مخيم افترشه عشرات الأشخاص بالقرب من معبر بازاركولي "نحن نعيش في مرسين منذ 7 سنوات، ولو كنت أعلم أن الحدود مغلقة لما أتينا وتشردنا مع أطفالنا. زوجي خسر عمله ولا نستطيع الآن التراجع عن قرار العبور بسهولة".

 

c8a9a8dba9703dc6caa5e64cefbd99a6b85e12d7.jpeg
عائلة طارق على الحدود السورية اليونانية. الصورة: مهدي شبيل

 

وبينما تجلس الأم الأربعينية فوق الأرض الترابية لترضع طفلها الصغير، يقول طارق "لا يوجد حتى لدينا ما يكفي من مال إذا أردنا العودة إلى مرسين".

تبدو عائلة طارق أكثر إصرارا على عبور الحدود باتجاه اليونان، مقارنة مع عائلة مضر وهالة "سنعود إلى مرسين إذا بقيت الأمور هكذا. لا نريد عبور النهر وتعريض أطفالنا للخطر. سنعبر في حال فتحت لنا اليونان أبوابها".أبو محمد، يشارك عائلة رضا وهالة الرأي "وصلت منذ 3 أيام إلى هنا. لكن يبدو أنه لا مجال لنا للعبور سوى المخاطرة عبر النهر. لن أفعل ذلك. سأعود إلى إسطنبول".

وبينما يحضر الشاب العشريني غطاء بلاستيكياً تحسباً لتساقط الأمطار خلال الليل، كانت توزعه مجموعة من سكان المدينة على المهاجرين. وقف أبو محمد، مراقباً ما يجري من حوله علّه يحصل على أخبار جديدة حول المعابر، لكنه لا يبدو مقتنعا بكل ذلك الحديث عن فتح الحدود "أنا خرجت من الموت من سراقب في سوريا ووصلت إلى تركيا منذ ثمانية أيام فقط بعد أن خاطرت بحياتي أثناء عبور الحدود السورية التركية".

"جئت وحيدا إلى تركيا من أجل العبور إلى اليونان وبعدها إلى ألمانيا، أردت ترتيب الأمور قبل أن أجلب زوجتي وابني الصغير من مخيمات إعزاز"، يقول الشاب الذي لم يستطع إكمال تعليمه الجامعي بسبب تدهور الأوضاع في مدينته سراقب.

إعلان أردوغان لفتح حدوده لم يكن بالفعل ضمن خطة أبو محمد "كنت قد نسقت الأمر مع مهرب وجدته على فيسبوك، اتفقنا على سعر 600 يورو، لكني وصلت إلى هنا لأتفاجأ بوجود كل هذه الجموع. بعد أن تنتهي كل هذه الضجة الإعلامية، سأعود لتنفيذ خطتي. لا أعتقد أن اليونان ستفتح أبوابها. أنا عائد إلى إسطنبول بانتظار أن تعود حركة المهربين كما كانت سابقا".

عنف متبادل على معبر بازاركولي

عائلة طارق التي كانت قد وصلت إلى المنطقة الحدودية فور إعلان أردوغان فتح الحدود، أمضت الأسبوع الأخير تحاول العبور من مكان إلى آخر بناء على إرشادات الشرطة التركية، فأثناء ليلة الخميس، نشبت توترات بين المهاجرين والشرطة التركية التي أجبرت المهاجرين على إخلاء المكان والتوجه إما إلى محطة الحافلات أو إلى النقاط الحدودية القريبة من النهر.

وفور ذكر المعبر البري بازاركولي، سرعان ما تعالت الأصوات الغاضبة للشابين السوريين موسى وسمير "الوضع هناك مرعب، تشعر وكأنك أصبحت في أحد مشاهد الحرب السورية. الأتراك واليونان يطلقون الغاز المسيل للدموع ولا أحد منهم يكترث لأمرنا".

ينضم إليهما صديقهما العشريني بقدميه المكشوفتين بعدما أنهكته محاولات العبور العديدة على المعبر البري، ينظر إليهما بعينيه الشديدتي الاحمرار "خرجت بصعوبة منذ بضع ساعات من معبر بازاركولي، لا تزال عيناني تؤلماني من كثرة القنابل المسيلة للدموع التي تنهال علينا. جئت إلى هذا المخيم لأن الوضع هناك لا يطاق. سأنتظر هنا يومين وإن لم تفتح اليونان حدودها سأعود أدراجي".

في ظل إصرار السلطات التركية واليونانية على منع الصحافيين من الاقتراب من بوابة بازاركولي الحدودية، تبقى أرقام المهاجرين هناك تفتقر إلى الدقة. وبينما يصر الأتراك على أنه يوجد 135 ألف مهاجر على البوابة الحدودية، تقول مصادر يونانية بأن العدد أقل من ذلك بكثير. ووفقا لمصدر صحفي، العدد على البوابة مساء الجمعة لم يتجاوز الـ4 آلاف شخص، أغلبهم من الأفغان والإيرانيين.

سياسة الحدود المغلقة التي يتبعها الاتحاد الأوروبي تثير سخط موسى "نشعر وكأنهم يلعبون القمار على الحدود التركية اليونانية. كل طرف يبحث عن الورقة الرابحة ويراهن على تصرفات الآخر. لقد تعبنا".

كلمات مفتاحية