icon
التغطية الحية

روسيا تدفع نحو سيطرة نظام الأسد على المساعدات الإنسانية

2022.08.31 | 13:18 دمشق

المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد وهي تتفحص المواد عند المعبر الحدودي بين تركيا وسوريا
المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد وهي تتفحص المواد عند المعبر الحدودي بين تركيا وسوريا
واشنطن بوست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

وافق مجلس الأمن الدولي خلال الشهر الماضي على تمديد تفويض الممر الأممي المتبقي للمساعدات الإنسانية التي تدخل لسوريا لمدة ستة أشهر، عقب نقاشات موسعة. وقبل ثماني سنوات، صوّت مجلس الأمن بالإجماع على بدء تفعيل آلية المساعدات الإنسانية بموجب القرار رقم 2165، ما منح المنظمات الإغاثية التي تشرف عليها الأمم المتحدة تفويضاً قانونياً لتمرير المساعدات إلى سوريا عبر أربعة معابر حدودية، مع تركيا والعراق والأردن.

يمثل ذلك القرار أول قرار توافق من خلاله الأمم المتحدة على نهج كهذا، كما كانت تلك المرة الأولى التي صوتت فيها الصين وروسيا على تجاوز النظام في سوريا بسبب المعاناة الإنسانية هناك، إلا أن كلاً منهما اليوم تضمران رغبة في إنهاء تمرير المساعدات الإنسانية، وجعل العملية مركزية وذلك عبر تمريرها من خلال دمشق. إلا أن بحثاً صدر مؤخراً يشير إلى أن هذا التحول قد يحد من قدرة المساعدات على الوصول إلى ملايين الناس في المناطق التي يصعب الوصول إليها في سوريا.

الاحتفاظ بنظام الأسد

في التصويت الذي أجري في عام 2014 تم منح تفويض على تمرير المساعدات الإنسانية عبر الحدود، بصرف النظر عن موافقة النظام السوري، ولكن بالنسبة لروسيا والصين كان ذلك بمنزلة ابتعاد فاقع عن حالة الرفض التي تمسكتا بها قبل ذلك مع أي قرار يخص سوريا.

وذلك لأن سلسلة هجمات شديدة وقعت في عام 2013، كان من بينها الهجوم على الغوطة بالسلاح الكيماوي، والتي استهدفت المدنيين في سوريا، دفعت نحو مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل العسكري في سوريا، وهذا ما زاد من الضغط الدولي على روسيا والصين حتى توليا الأولوية لحماية المدنيين.

بالنسبة لروسيا، تمثل الإجراءات العقابية الأممية خطراً قد يؤدي إلى تقويض بشار الأسد، بما أنه أهم شريك استراتيجي لموسكو في المنطقة، وهذا ما يهدد القاعدة البحرية الروسية المقامة في طرطوس. أما الصين فلديها أسبابها للاعتراض على المقترحات الأممية التي تتصل بالنزاع السوري، ويعود أحد أسباب ذلك إلى أن بكين لديها مصالح اقتصادية كبيرة في المنطقة، ولهذا امتنعت عن التصويت لصالح قرار التفويض الأممي للتدخل الإنساني في ليبيا عام 2011، إذ ارتأى رجال السياسة في الصين بأن العمل العسكري الذي لم يخضع لضوابط والذي قام به حلف شمال الأطلسي بتفويض من الأمم المتحدة قد تسبب بانهيار ليبيا، وما أعقب ذلك من حرب أهلية فيها.

وبعد امتناع الصين عن التصويت، استغلت حق النقض في مجلس الأمن لنزع الشرعية عن فكرة تغيير النظام في سوريا، كما مارست الضغط لصالح الخيارات التي تنطوي على عدم التدخل في النزاع السوري. بيد أن عرقلة تلك القرارات بشكل متوال، لا سيما مشروع القرار الذي اقترح إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، عرض الصين لانتقادات من قبل لجنة حقوق الإنسان الدولية والتي رأت بأن موقف الصين قد يدفع نحو ظهور مزيد من الجرائم في سوريا، وهذا ما جعل علاقة الصين مع الجامعة العربية تسوء، وخاصة مع المملكة العربية السعودية، التي تخلت عن مقعدها في مجلس الأمن في عام 2013 احتجاجاً على الفيتو الصيني الروسي.

حالة إجماع نادرة في الأمم المتحدة

في عام 2014، انضمت روسيا والصين للدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن وذلك لتمرير القرار رقم 2139 بالإجماع، والذي طالب برفع سائر حالات الحصار في سوريا، إلى جانب تمرير المساعدات الإنسانية المباشرة وتقديم الإغاثة. وعندما واصل الأسد معارضته للمطالبات الأممية، أصدر مجلس الأمن الدولي وبالإجماع القرار رقم 2165 في تموز 2014.

ولكن، لماذا أيدت الصين وروسيا هذا القرار؟ لقد قامت تلك التسوية على عدم قيام القوى الغربية بالدفع نحو التفويض باستخدام القوة، ذلك الأمر الذي خشيت منه روسيا والصين لاحتمال تقديمه ذريعة للتدخل العسكري وتغيير النظام. ولذلك ارتأت الدول الأعضاء في مجلس الأمن بأن تلك الصفقة يمكن أن توسع من التفويض الأممي الممنوح للوكالات الإنسانية وذلك بالنسبة لوصولها إلى مناطق المعارضة التي يصعب الوصول إليها.

مكّن القرار 2165 الأمم المتحدة من التخفيف من حدة الوضع الإنساني دون قيام النظام السوري بعرقلة تسليم المساعدات، إلا أنه في الوقت ذاته أضعف من احتمال اللجوء إلى التدخل المسلح وتغيير النظام. إلا أن تلك الصفقة أظهرت الصين وروسيا بموقف الداعمين القويين "للسيادة السورية"، إلى جانب شرعنتها لمبدأ أساسي لمسؤولية الأمم المتحدة فيما يتصل بعقيدتها القائمة على الحماية، والتي ترى بأن القضايا الإنسانية يمكن تقديمها على حق السيادة المفترض للدولة على أراضيها.

ما الذي يحدث الآن؟

تزيد روسيا والصين اليوم من ضغوطهما على منظومة المساعدات الإنسانية التي تترأسها الأمم المتحدة بهدف نقل المساعدات وتمركزها في دمشق تحت سيطرة النظام السوري، وهذا ما يثير الشكوك حول ديمومة آلية تمرير المساعدات عبر الحدود واستمراريتها، وذلك لأن الصين وروسيا تروجان بدلاً من كل ذلك لخط عبور للمساعدات من دمشق، بحيث يتم إرسال تلك المساعدات عبر خطوط الجبهة إلى مناطق المعارضة.

في حين عملت روسيا على تقويض الآلية الحالية بالتدريج، وذلك عبر إغلاق المعابر التي صدّقت عليها الأمم المتحدة مع الأردن والعراق، فلم يتبق إلا معبر وحيد للمساعدات عبر تركيا. كما أخذت روسيا والصين تدفعان نحو تقليص الفترة الزمنية الممنوحة للتجديد بالنسبة لتمرير المساعدات عبر الحدود، وذلك عبر تخفيضها من سنة إلى ستة أشهر، إلى جانب فرض مزيد من الشروط على الأمين العام للأمم المتحدة ليقوم برفع تقارير دورية حول وضع تلك العمليات.

ترى الولايات المتحدة وشركاؤها بأن آلية تمرير المساعدات عبر الحدود أساسية ومهمة حتى تصل المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين يعيشون خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام، وليست لديهم بنية تحتية أساسية ولا خدمات صحية، كما يعانون من انعدام الأمن الغذائي. إذ في تقرير صادر عن وكالة اللاجئين الأممية في عام 2022، تبين بأن 92% من اللاجئين السوريين في المنطقة يرون بأن الظروف في سوريا غير ملائمة لعودتهم خلال السنة المقبلة، نظراً لانعدام الأمن وعدم توفر الخدمات الأساسية، وفي الوقت الذي تقود فيه دولة الإمارات العربية المتحدة عملية تطبيع العلاقات العربية مع النظام في سوريا، يشكك السياسيون الغربيون بقدرة النظام السوري ورغبته السياسية في الإشراف على عملية إعادة الإعمار بعد النزاع.

سبق أن زعمت كل من الصين وروسيا بأن المنظمات غير الحكومية، ودول الجوار، والدول الغربية، كلها تستغل الطرق المخصصة لتمرير المساعدات بهدف تقويض الأسد. كما ادّعت كل منهما بأن الأسد لا بد أن يعمل على التخفيف من حدة معاناة شعبه، في حال تمكينه من القيام بذلك وذلك عبر تقديم مساعدات أممية له بدلاً من فرض عقوبات عليه. إلا أن منظمات إغاثية غربية تحدثت عن حالة الفوضى والأنقاض التي تملأ مناطق مثل جنوبي مدينة درعا، حيث تحسنت الظروف عما قبل بنسبة ضئيلة منذ أن عاد النظام للسيطرة على تلك المدينة، وذلك قبل أربع سنوات.

الرهان على الأسد ما يزال قائماً

بعد مرور ثماني سنوات على إذعان روسيا والصين للقرار 2165، استعاد نظام الأسد السيطرة على معظم أرجاء سوريا، وما يزال يسعى لانتزاع مزيد من السيطرة على جهود المساعدات الإنسانية القادمة من الخارج، إذ إن الأسد بات يقود اليوم عملية الاستعادة النهائية لسيطرة الدولة على معظم المجالات الجغرافية والمعنوية لعملية الحكم، والتي تشمل الجهود الإنسانية والإغاثية أيضاً.

سبق أن أعطت الصين الضوء الأخضر للتعاون الاقتصادي والسياسي بشكل أكبر مع سوريا، إذ رحبت بها في مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، كما فتحت المجال أمام الأموال الصينية لتتدفق من أجل مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، أما روسيا المنشغلة بحربها في أوكرانيا، فما تزال تدعم نظام الأسد عسكرياً، لكنها قد تنتظر من الصين الاضطلاع بدور أكبر في بناء مقدرات الأسد السياسية والاقتصادية والبيروقراطية.

المصدر: واشنطن بوست