icon
التغطية الحية

خطوات تركيا القادمة في ضوء الموقف المعقّد شمال سوريا

2019.10.31 | 15:07 دمشق

96311c0c-13b0-41e8-8958-84f23408b37f.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد يوم واحد فقط من انتهاء مهلة الـ 150 ساعة لانسحاب "قسد" من المنطقة الآمنة وفق الاتفاق التركي – الروسي، وقبل يومين من بدء تسيير الدوريات المشتركة؛ هدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، بتوسيع مساحة "المنطقة الآمنة" في شمال شرق سوريا، "إذا استدعى الأمر"، وذلك تزامناً مع اختتام أول جلسة مباحثات تقنية، بين وفدين عسكريين تركي وآخر روسي في العاصمة أنقرة.

وقال أردوغان يوم أمس "نحتفظ بحقنا في تنفيذ عمليتنا العسكرية بأنفسنا إذا تبيَّن لنا عدم إبعاد الإرهابيين إلى خارج عمق 30 كيلومتراً أو إذا استمرت الهجمات من أي مكان كان". في حين وصف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار المباحثات التركية الروسية التي استمرت لمدة يومين (28-30 من الشهر الجاري) في أنقرة، بالـ "الإيجابية والبناءة"، وأنها تناولت تطبيق القضايا التكتيكية والفنية المتعلقة بتطبيق بنود اتفاق سوتشي بين البلدين على الأرض.

ودعا أكار ليل أمس قوات بلاده الموجودة في مدينة تل أبيض، إلى التأهب ورفع الجاهزية التامة. وقال في زيارة تفقدية "لم تستتب الأمور بعد هنا، ويمكن أن يحدث أي شيء في أي لحظة، وعليه ليكن الجميع على أهبة الاستعداد".

وميدانياً تستمر العمليات القتالية التي ينفذها الجيشان التركي والوطني السوري في جنوب شرق مدينة رأس العين الحدودية، حيث سيطرت قوات الجيش الوطني على أكثر من 60 قرية في ريفي الرقة والحسكة، بينها 16 قرية سيطر عليها اليوم الخميس ووصل إلى مشارف مدينة تل تمر.

 

 

وحول استمرار تقدم الجيش الوطني، قال المتحدث باسمه الرائد يوسف حمود لموقع تلفزيون سوريا، إنَّ "قسد" لم تنسحب من المنطقة الآمنة المحددة بالاتفاق الأميركي – التركي، وإنَّ ريفي رأس العين الجنوبي والشرقي يقعان ضمن المنطقة المتفق عليها، دون أن يحدد الرائد لأي مدى ستستمر العمليات العسكرية في المنطقة خلال الأيام القادمة.

وتبدو منطقة العمليات جنوب وشرق رأس العين متشابكة من ناحية السيطرة الميدانية، حيث أسر الجيش الوطني قبل يومين 18 عنصراً لقوات النظام، قالت وزارة الدفاع التركية إنه "يتم التنسيق مع السلطات الروسية بشأنهم".

وحتى تاريخ اليوم يكون الجيش الوطني قد سيطر ضمن عملية نبع السلام على كامل المستطيل الواقع بين مدن تل أبيض – رأس العين – عين عيسى – تل تمر، بطول 120 كم وعرض 30 كم تقريباً.

وفي حين قال بيان وزارة الدفاع التركية يوم أمس بعد انتهاء جلسة المباحثات مع الوفد الروسي، بأنه تم "إلى حد بعيد" التوصل إلى اتفاق، فإن ذلك يعني أن عدداً من النقاط لم يتم التفاهم حولها في قمة أردوغان بوتين في سوتشي، وعلى رأسها مدينتا عين العرب (كوباني) ومنبج، اللتان تفصلان مناطق سيطرة الجيش الوطني في شمال شرق حلب عن المناطق التي تمت السيطرة عليها في "نبع السلام".

وفي مقابلة متلفزة أجراها أردوغان يوم 24 من الشهر الجاري مع هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية "تي أر تي"، كشف الرئيس التركي أنه تم الاتفاق مع بوتين على إقامة منطقة مراقبة بطول 19 كيلومتراً وعرض خمس كيلومترات في شمال غرب منبج، بهدف حماية المنطقة، وهو تفصيل جديد لم يتطرق إليه البيان الختامي للقمة في سوتشي، كما أظهرت خريطة وضعها أردوغان إلى جانبه اختلافاً واضحاً عن الخريطة التي نشرتها وزارة الدفاع الروسية.

وسبق أن اختلفت قراءة تركيا لاتفاقاتها عن القراءة الروسية أو القراءة الأميركية، إما عبر التصريحات التي تتلو هذه الاتفاقات كما حصل في اتفاقي سوتشي حول إدلب واتفاق خارطة الطريق حول منبج، أو عبر التحركات الميدانية اللاحقة، وفي الوقت الذي خاضت فيه أنقرة معركتين تفاوضيتين مع موسكو وواشنطن في آن واحد، فإن مخاوف كثيرة ظهرت لدى السوريين، من حدوث عراقيل وخلافات في تنفيذ وتطبيق الاتفاقين.

ويرى الأكاديمي التركي وأستاذ القانون والعلاقات الدولية، سمير صالحة، أنه لا يوجد خلاف واضح في تنفيذ الاتفاق التركي – الأميركي، عملياً، وذلك على الرغم من التوتر الأخير الحاصل بين البلدين، في حين أن ظهور بوادر خلاف مرتبط بمدى رغبة وقدرة واشنطن على إخراج "قسد" بالكامل من الحدود المتفق عليها، مستبعداً أن تسمح الولايات المتحدة بحدوث أي اختراقات للاتفاق من قبل "قسد"

وأكد صالحة على أن بعض النقاط ما زالت عالقة، خاصة فيما يتعلق بمدينتي عين العرب ومنبج، ويثير تقدم النظام في عدد من المناطق ضمن المنطقة الآمنة قلق أنقرة، وتابع صالحة موضحاً، إن التنسيق التركي الروسي ما زال في بدايته وسيشهد الكثير من العقبات في عمليات التطبيق والتنفيذ العملي، لأن المشكلة لا تكمن في الاتفاق بل في تطبيقه على الأرض.

ومن جهته يعتقد الكاتب والمحلل السياسي علي باكير، أنه ووفقاً لتصريحات المسؤولين الأتراك فهم راضون تماماً عن هذه الاتفاقات، لكن في الوقت نفسه "ما زالت أيديهم على الزناد في حال التطبيق غير الدقيق أو غير الكامل لهذه الاتفاقات". وهذا ما يفسر تهديدات أردوغان ورفع الجاهزية للجيش التركي حسب أوامر أكار اليوم.

وتابع باكير" بغض النظر عما إذا كانت تركيا راضية أم لا، فهذا أقصى ما كان باستطاعتها أن تفعله في هذا المجال".

وتبدو مدينة عين العرب (كوباني) إحدى أبرز الملفات التي أجلت تركيا وروسيا التفاهم حولها، فهي عدا عن كونها المعقل الأبرز لوحدات حماية العشب، ورمزيتها الكبيرة بالنسبة لقسد، فإنها باتت في منتصف الطريق الذي يفصل ما بين مناطق سيطرة الجيش الوطني وتركيا غربي الفرات عن المناطق التي تمت السيطرة عليها شرقيه، وبذلك ستكون مناطق سيطرة الجيش الوطني منفصلة جغرافياً.

وتكرر ذِكرُ عين العرب في تصريحات المسؤولين الأتراك والرئيس أردوغان منذ بدء العملية، والأسبوع الفائت قال أردوغان "الأميركيون يقولون لنا لا تدخلوا مدينة عين العرب، والروس يقولون ادخلوها ونحن سنتخذ قرارنا وفق المستجدات"، وبهذا التصريح رحّل الرئيس التركي ملف عين العرب لفترة لاحقة، لكنه أعطى مؤشراً عن مدى أهميتها بالنسبة لمخطط المنطقة الآمنة التركية.

وتعقدت مسألة عين العرب منذ أن أدخلت "قسد" قوات النظام إلى المنطقة، في وقت لم تنسحب القوات الأميركية منها، ولم تكن منطقتا منبج وعين العرب مفتوحتين أمام تركيا للدخول إليهما، وهذا أبرز ما قامت به "قسد" لخلط الأوراق أكثر في ظل عدم قدرتها على المواجهة والشعور بالتخلي الأميركي.

فرضت هذه التحركات من قبل "قسد" على تركيا، أن تجلس مع موسكو على طاولة واحدة لساعات عدة، وذلك فقط للتفاهم على الخطوط العريضة، ومتابعة المباحثات حول المسائل التفصيلية لاحقاً. وأشار باكير إلى أن الجانب الأميركي الذي انسحب من منبج وعين العرب دون تنسيق مع تركيا، هو من سلّم المنطقة للنظام وروسيا.

وحول مسألة عين العرب المهمة والغامضة، أوضح "صالحة" أن روسيا أصبح بمتناول يديها ورقة أخرى للضغط على أنقرة، ولن تفرّط بها بسهولة.

تركيا الآن وبعد التعقيدات التي ظهرت في وجهها عقب دخول النظام والروس، باتت أمام رهان كبير ومضطرة للتعامل بطريقة متوازنة مع الولايات المتحدة وروسيا في آن واحد، وفي حين يبدو أن تفاهمها مع واشنطن أكثر وضوحاً وأكثر قدرة على تحصيل مكاسبها، بعد توضّح الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة، إلا أنها قد تقع ضمن تعاملها مع موسكو في موضع ابتزاز، وقد تصل ارتدادات أي عدم تفاهم إلى إدلب التي بدأت تشهد منذ أيام تصعيداً روسياً جديداً بعد حالة الهدوء الأخيرة.

ولن يكون من المستبعد أن تُكمل تركيا معركتها، في حال لاحظت تباطؤاً روسياً أو أميركياً، وهي أثبتت في التاسع من الشهر الجاري قدرتها على فرض أمر واقع عندما أطلقت "نبع السلام"، وانقرة تعلم أن أي انسحاب جزئي لقسد من حدودها يعني فشلاً كاملاً لخطتها وتلاشي طموحاتها، ولن يكون أمنها القومي متماسكاً إلا بإبعاد قسد عن حدودها مسافة كافية تمنع أي تهديد أمني وعسكري.