icon
التغطية الحية

بعد تحسن الليرة.. هل يستطيع التدخل الأمني وقف التدهور المعيشي؟

2020.07.27 | 23:24 دمشق

allyrt_alswryt.jpg
فئات من العملة السورية (إنترنت)
اسطنبول - فؤاد عزام
+A
حجم الخط
-A

تحسن خلال الأيام القليلة الماضية سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية ومن بينها الدولار بنسبة 35 بالمئة، حسب وسائل إعلام النظام وبعض المنصات المتخصصة، بسبب عدة عوامل أبرزها التشدد الأمني في تنفيذ مرسوم يجرم كل من يتعامل بغير الليرة السورية أو يضارب عليها، كما يقول خبراء.

وعلى الرغم من تحسن سعر صرف الليرة ووصول سعر الدولار إلى أقل من 2000 ليرة إلا أن أسعار المواد الأساسية لم تشهد تراجعا بحجم تلك النسبة، وبقيت متناسبة مع أعلى سعر سجله الدولار وهو 3500 ليرة، في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية بحيث بات معها أكثر من  90 بالمئة من السوريين في مناطق سيطرة النظام تحت خط الفقر، حسب مصادر رسمية في الأمم المتحدة.

وبينما أقر الخبير الاقتصادي والصناعي شادي دهام في تصريح لموقع آر تي بأن من أسباب تحسن سعر صرف الليرة أمام الدولار من 3000 ليرة أو يزيد إلى أقل من 2000، يوضح الباحث الاقتصادي مرشد النايف لتلفزيون سوريا أن الدليل الأبرز على دور القبضة الأمنية في تحسين سعر صرف الليرة هو عدم انخفاض أسعار المواد الاساسية، لكن النايف يضيف أسبابا أخرى إلى ما ذكره دهام من بينها احتكار سوق الحولات والتضييق على التحويلات بين المحافظات، وعزلها عن بعضها بحيث أوقف النظام التبادل النقدي بينها.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتحسن فيها سعر صرف الليرة بعد انخفاض قيمتها بشكل كبير أمام الدولار، إذ يصبح مقياس التحسن على أساس ما وصلت إليه من انخفاض في قيمتها أمام صرف الدولار، بينما هو في الحقيقة تراجع إذا ما قيس بما كان عليه سعر صرف الليرة قبل انخفاض قيمتها.

ومع بداية العام الحالي ارتفع سعر صرف الدولار من 500  ليرة سورية إلى حافة 1000 ليرة، إلا أنه بعيد إصدار بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 3 الذي منع التداول بغير الليرة السورية ويفرض عقوبة الحبس وتم على أساسه اعتقال متعاملين بالدولار، تحسن سعر صرف الليرة بحدود 15 بالمئة، في حين حدد البنك المركزي آنذاك سعر صرف الدولار بـ 700  ليرة بعد أن كان 434  ليرة سورية.

وبعيد وصول الدولار مؤخرا إلى حافة 3000 ليرة أو يزيد رفع مصرف سوريا المركزي سعر الصرف التفضيلي للدولار من 700 إلى 1256 ليرة سورية للحوالات في المصارف وشركات الصرافة.

يعجز النظام عن تقديم حلول اقتصادية للأزمة المعيشية، إذ إن عجلة الإنتاج متوقفة والموارد الاستراتيجية باتت شحيحة ومعظمها في مناطق خارجة عن سيطرته 

ويعجز النظام عن تقديم حلول اقتصادية للأزمة المعيشية، إذ إن عجلة الإنتاج متوقفة، والموارد الاستراتيجية باتت شحيحة ومعظمها في مناطق خارجة عن سيطرة النظام، ما يعني بحسب خبراء ومن بينهم الباحث فراس شعبو أن التدخل الأمني لتحسين سعر الليرة السورية لن يستمر طويلا.

ولعل من أبرز تلك الموارد التي يتفرض أن تدعم سعر الليرة القمح الذي كانت سوريا تصدر الفائض منه قبل عام 2011 وأصبحت مستوردة له، وأيضا النفط الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة في مناطق شرق الفرات، في حين أن الفوسفات بات من بين الموارد الاستراتيجية التي وضعت روسيا يدها عليه كواحد من الأثمان التي يدفعها النظام لها مقابل حمايتها له، يضاف ذلك إلى ازدياد الفساد والنهب الذي أوجد شريحة من أغنياء الحرب المرتبطين بأجهزة النظام الذين استحوذوا على ثروة جمعوها على مدى العقود الماضية وتقدر بمئات مليارات الدولارات.

وفيما يتعلق بأسعار المواد الأساسية فلا يتوقع لها أن تنخفض مع تحسن سعر صرف الليرة الأخير، إذ درج مسؤولو النظام على ربط تخفيض الأسعار بسعر المواد المستوردة، فبعيد انخفاض سعر صرف الليرة قبل الأخير من 500 ليرة إلى 1000 قال رئيس الوزراء عماد خميس حينها "لا نستطيع حالياً تخفيض الأسعار لأن هناك مواد مستوردة مرتبطة بالدولار.

ويتجه مسؤولو النظام وخبراؤه بشكل دائم إلى الحلول الأمنية حيث دعا الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف إلى إيجاد ما يسمى قانون طوارئ اقتصادي خاص يمنع بشكل نهائي ليس تداول الدولار فقط بل وحيازته أيضا ، لكي يفقد الدولار القيمة الائتمانية التي يستخدمها المواطن، كما قال.

وبسبب ارتفاع الأسعار فقدت احتياجات أساسية من الأسواق ما جعل الأهالي يضطرون إلى الانتظار في طوابير لساعات أمام الأفران للحصول على ربطة خبز، أو على أسطوانة غاز، مترافقا ذلك مع تصاعد الأزمة  المعيشية مع صدور قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على النظام وداعميه مع تأكيد واضعيه بأنه يستثني المواد الغذائية والدواء.

ولم يطرأ تحسن على الرواتب التي تعادل 50 ألف ليرة سوريا في وقت أكدت تقديرات قريبة من النظام وتقارير صحفية أن تكاليف المعيشة للأسرة المؤلفة من 5 أشخاص في دمشق يصل إلى 430 ألف ليرة سورية شهرياً كما جاء في دراسة لصيحفة قاسيون المحلية.

وقدرت جيسيكا لوسون من برنامج الأغذية العالمي لوكالة فرانس برس ارتفاع سعر السلة الغذائية التي يعتمدها برنامج الأغذية العالمية بنسبة 107 في المئة، بينما قالت إليزابيث بايرز المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي إن عدد من يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 1.4 مليون في غضون الأشهر الستة المنصرمة، في حين ذكرت أكجمال ماجتيموفا ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا أن أكثر من 90 بالمئة من سكان سوريا تحت خط الفقر البالغ دولارين في اليوم بينما تتزايد الاحتياجات الإنسانية.

منذ العام 2019، تفاقمت الأوضاع المعيشية للأهالي في مناطق سيطرة النظام بشكل متسارع مترافقة مع أزمة وقود حادة وفقدان مواد أساسية من الأسواق

ومنذ العام 2019، تفاقمت الأوضاع المعيشية للأهالي في مناطق سيطرة النظام بشكل متسارع، مترافقة مع أزمة وقود حادة وفقدان مواد أساسية من الأسواق أرجع سببها بشار الأسد في خطاب أمام رؤساء المجالس المحلية إلى حالة الحصار التي فرضها الخارج، ودور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في تأجيج الأزمة داعياً إلى تعاون الجميع في التعايش مع الوضع الراهن في حين كان رئيس مجلس الشعب حمودة الصباغ أكثر تحديدا إذ قال: إن "الحملة اشتدت علينا عبر الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي والتي يدار أغلبها من الخارج حيث أن هناك مواقع تابعةً للكيان الصّهيونيّ متخصصة في إثارة الفتن وتصعيد الحرب النفسية ضد السوريين". 

وبعيد صدور قانون قيصر تحدثت مصادر النظام بأن انخفاض الليرة سببه العقوبات الاقتصادية الغربية، في حين أشارت تقارير غربية إلى أن أسباب انخفاض سعر صرف الليرة يعود إلى استنزاف النظام لاحتياطي المصرف المركزي من العملة الصعبة، ولم يبق إلا نحو مليار دولار من بين 17 مليار دولار قبل الحرب، ما فسح المجال للحديث عن أن للنظام دوراً في رفع سعر الدولار بسبب شرائه الدولار من السوق بهدف تأمين العملة الصعبة للموازنة العامة، في وقت يسمح فيه لتجار مقرّبين منه بعملية المضاربة على العملات في السوق السوداء.

وبينما يدعو مسؤولو النظام الأهالي إلى الانسجام والتعايش مع الوضع الاقتصادي الراهن، تفلت بين الحين والآخر بعض الدعوات في الصحف الحكومية تلمح إلى مواضع أسباب الأزمة المعيشية أو تقترب من تحديد أماكنها وآخر هذه المقالات ما ورد على لسان سناء يعقوب في صحيفة تشرين حيث قالت: مشكلتنا ليست بأسماء الوزراء والمسؤولين, مشكلتنا الحقيقية بالنهج المستمر لآليات العمل والسياسات المتبعة منذ عقود.

وبحسب مصادر النظام ذاتها لا أفق لانخفاض أسعار المواد الاساسية رغم  تحسن سعر صرف الليرة، وتقول الأستاذة بكلية الاقتصاد، الدكتورة رشا سيروب، لصحيفة الوطن أن الأسباب نفسها منذ عشر سنوات فالمنتجات المحلية يرتفع سعرها قبل المستوردة إضافة إلى الاحتكار من التجّار لسلع معينة والتحكّم بأسعارها والكميات المطروحة في الأسواق وأوقات طرحها.

ولأن استطاعت الأجهزة الأمنية الحد من التداول بالعملة الصعبة وتحسين سعر صرف الليرة السورية بشكل مؤقت، فإنها لا تستطيع أن توقف ارتفاع أسعار المواد الأساسية مع سيطرة التجار المرتبطين بالأساس بالنظام على الأسواق وشح الموارد والإنتاج وضعف الاقتصادي، وبالنتيجة فإن استمرار الأوضاع في سوريا بالتدهور قد يجعل خطر المجاعة يطرق الأبواب، وهو ما أكده المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيسلي في تصريحات لصحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية.