icon
التغطية الحية

الباحثة السورية لينا فاضل تتحدث عن تجربتها في مسرح قصص اللاجئين

2022.09.09 | 21:11 دمشق

لاجئون سوريون - المصدر: الإنترنت
لاجئون سوريون - المصدر: الإنترنت
إدنبرة ريبورتر - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تتحدث الباحثة والأكاديمية السورية لينا فاضل عن تجربتها مع المسرح فتقول: "مثلت خلال هذا الصيف مسرحية مؤلفة من شخصية نسائية وحيدة وتفوهت بجملة لم أتخيل لنفسي أن أكتبها عندما كنت في السابعة عشرة من عمري عندما كنت أقيم في المملكة المتحدة، ولكني أتيت إلى هنا لأقف بوصفي أكاديمية سورية على خشبة المسرح أمام مكبر الصوت والحماسة والاستعداد باديان علي.

كانت تلك التجربة مثيرة ومرعبة في آن معاً، إلا أن أهميتها تفوق أهمية اهتمام الناس بها، كما تتفوق على صخب الأداء على خشبة المسرح. إذ بما أنني كنت لاجئة ولدي تجربتي مع الهجرة، لهذا أتت مشاركتي مع فرقة The Cabaret of Dangerous Ideas التي تحول أفرادها إلى أهل لي، بمنزلة حالة مقاومة ونشاط.

تأسست هذه الفرقة في عام 2003 وذلك عند قيام حالة تعاون ما بين جامعات إدنبرة ومهرجان فرينج، هدفها تقديم شخصيات مثقفة على الساحة لتقف أمام الجهمور عبر تقديمها لأبحاثها على خشبة المسرح، وقد تم تقديم كامل الدعم للأكاديميين والمثقفين طوال تلك العملية، كما كانت الممثلة الكوميدية سوزان موريسون موجودة دوماً لتشجع الجميع، ولتحمي المشاركين من أي شخص يحاول أن يقاطع العرض.

كل ما احتجت إليه وقتئذ هو فكرة خطيرة بما فيه الكفاية وجديرة بأن تقدم على خشبة المسرح حتى أبدأ بكتابة العرض الذي سأقدمه، وهكذا ولدت مسرحيتي: كيف تصبحين لاجئة جذابة بخمس خطوات.

أردت لمسرحيتي أن تفضح ازدواجية المعايير على الحدود البريطانية وكذلك لدى الإعلام عند تصويره للاجئين، إذ كانت تلك فرصتي لأتحدث أمام الملأ عن حالات الظلم التي ترتكب بحق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، وللتعمق في الطريقة التي ننظر بها إليهم ونتحدث عنهم في حواراتنا وأحاديثنا اليومية.

ارتديت حجاباً ووقفت على خشبة المسرح في تلك الأمسية، ثم سألت: "لماذا لا تثير وجوه النازحين من أمثالي تعاطف العالم كما يفعل الوجه صاحب البشرة الفاتحة؟ لماذا تختلف ردة فعل العالم باختلاف الأشخاص؟ هل توجد حرب أكثر جاذبية أو استحساناً من حرب أخرى؟ وهل ثمة معاناة إنسانية تستحق تعاطفنا أكثر من سواها؟

هوية وانتماء

تقدم تلك الفرقة المسرحية منبراً رائعاً للأكاديميين والمثقفين ليشاركوا من خلاله الناس في أبحاثهم، ولذلك ركزت في عملي على دراسات الهجرة وبحثت في مفاهيم تتصل بالهوية والاختلاف والانتماء وعلاقات السلطة ضمن سياق النزوح.

وفي ورقة بحثية نشرتها في عام 2021، ناقشت أهمية لفت نظر الناس نحو قصص المهاجرين، أي بمعنى أصح ضمان سماع الناس لأصوات النازحين ووصولها إلى القلوب. لكني كنت بحاجة أيضاً للتحدث عن تجربتي خارج الإطار الأكاديمي، وهذا ما جعل من المنبر الذي قدمته لي تلك الفرقة المسرحية تجربة مثالية.

أحس بإحباط شديد تجاه الطريقة التي يعامل بها العالم مجموعات متنوعة من اللاجئين، فقد راقبت ردة فعل أبدت تعاطفاً غير مسبوق تجاه محنة اللاجئين الأوكرانيين وذلك من قبل العالم نفسه الذي صرف انتباهه عن اللاجئين القادمين من سوريا وأفغانستان واليمن والسودان.

لاحظت ذلك الفرق الشاسع في البداية عندما كنت في كاليه في مطلع هذا العام، حيث أمضيت أسبوعاً في التطوع لدى منظمة كير فور كاليه وذلك لدعم القادمين من أفريقيا والشرق الأوسط الذين طواهم النسيان لسنوات طويلة في شمالي فرنسا، بعدما هربوا من الاضطهاد في أوطانهم.

وتلك القصص والسرديات تعتبر محور المواضيع التي أتطرق إليها في أبحاثي، نظراً لأهميتها بالنسبة للتجربة والخبرات البشرية، إذ لا يمكننا أن نقلل من دور القدرة على سرد حكاية في خلق حالة تغيير اجتماعي وسياسي، لا سيما في حواراتنا الاجتماعية وأبحاثنا عن اللاجئين والهجرات البشرية.

أكثر من سردية

بما أني متخصصة في علم الأعراق البشرية ولدي حماسة شديدة للسرديات، لهذا أؤمن بأن تغيير الخطاب المؤذي تحاه اللاجئين يبدأ بالوقوف ضد الأكاذيب والطغيان الذي يتجلى في السردية التي تضع كل اللاجئين في "مركب واحد"، وقد كتبت العبارة الأخيرة وأنا مدركة للتورية الموجودة فيها. فلقد تعرضت لتلك السردية المفروضة القائمة على عدم تفهم وضع اللاجئين السوريين، ولهذا كانت تجربتي في هذا السياق أساس العرض الذي قدمته والذي يركز على تجربة التهميش التي يتعرض لها المهاجر.

وهكذا وقفت على خشبة المسرح وشرحت حاجتي للوقوف ضد تلك الصور النمطية والتصورات المسبقة التي لصقت بي خلال الفترة التي عشتها في المملكة المتحدة. إذ تعرضت لتلك الاعتداءات الصغيرة من أمثال: "لا تبدين كسورية" أو: "لكنك تبدين محترمة"، "لكنك تتحدثين الإنجليزية بشكل جيد"، والتي تشير إلى سردية سامة وحيدة تجاه سائر السوريين، وتجاه جميع اللاجئين، حيث تصورهم وكأنهم جميعاً كتلة لا شكل محدداً لها، بدلاً من تصويرهم كأفراد يتمتعون بحق الحياة والإنجاب وأن يكون لكل منهم مهنة وبيت خاص به وكذلك الأمر بالنسبة لآمالهم وأحلامهم التي تخصهم.

إن هذه السردية القائمة على الاختزال والتي تعززها حالة التحيز الإعلامي على مدار سنين طويلة، فضلاً عن شعبوية اليمين والخوف من اللاجئين، عملت على تسطيح تجاربي واختزال الإرث الغني ذي الأوجه المتعددة الذي أحمله، وذلك عبر تحويلنا إلى: "حشود من المهاجرين" أو "أصحاب البلم" أو مجرد "تهديد أو ضحية".

لقد أجبرتني تلك السردية العدوانية التي تفتقر إلى الصحة على أن أسرد قصة مختلفة توضح أن هنالك طرقاً عديدة متنوعة للكينونة والصيرورة في هذا العالم.

صوت اللاجئين

كانت الرسالة التي رغبت بمشاركتها مع الجمهور بسيطة جداً: وهي أن القصص تمثل حقاً ومسؤولية على بني البشر، والأهم من ذلك هو أن القصص عبارة عن امتياز لا يتمتع به السواد الأعظم من اللاجئين، وذلك لأن السرد يصبح محاولة بشرية عبثية ومشتتة في حال عدم وجود من يصغي إلى القصة.

إن أكثر شيء يحتاج إليه اللاجئون هو أن يصغي العالم إليهم بشكل فعلي وأن يمارس حالة التواضع الثقافي أي أن يتخذ موقفاً يتسم بالحرص والحذر والاحترام تجاه الثقافات الأخرى، ولذلك حرصت كثيراً على عدم تحويل القصة الدارجة إلى القصة الوحيدة المطروحة، كما قالت الكاتبة النيجيرية تشاماماندا نغوزي أديتشي، كونها تعبت كثيراً حتى عثرت على: "صوتها الثقافي الأصيل" تماماً كما حدث لي، بيد أن العثور على هذا الصوت بات ممكناً عبر مبادرات كتلك التي قدمتها لي تلك الفرقة المسرحية التي تعمل على تمكين المجموعات المهمشة ليكون لها سلطة هي أيضاً على القصص التي نتداولها، ولتستعيد قوتها وسيطرتها على الطريقة التي يقدم بها اللاجئ نفسه للعالم. بيد أن هذه القصص تهيج في النفس لواعج ومشاعر أعقد وأكبر من مجرد الشفقة.

جمعت المسرحية التي قدمتها بين الهزل والبراهين والخبرات الشخصية التي عشتها والتي تركت انطباعاً إيجابياً لدى الجمهور، إذ إن الغالبية وافقوا على أن الصور النمطية عن اللاجئين تغذي التحيز ضدهم، وبأن سماع قصة مختلفة مفعمة بالقوة والأمل مهم جداً. فقد أتتني امرأة اسكتلندية بعد العرض، وعانقتني وهي تشكرني، وهذا ما خلف لدي إحساساً بالترابط والتواصل الشديد والذي ترك لي بدوره شعوراً بالقوة والتمكين، أي أنه لم يكن هنالك أي مجال لإبداء الشفقة، لأن ذلك الإحساس لا معنى له كونه يعتبر اللاجئ شخصاً يعاني وحده من بعيد، في حين يمدنا التعاطف بالسلوان والدعم، وكأنه يشعرنا بأننا جميعاً معاً، وبأننا نسير بنعمة من الله وفضل، إذ يساعدنا التعاطف على رؤية الجانب الإنساني في كل إنسان، أي أنه يعيننا على سماع قصته.

  المصدر: إدنبرة ريبورتر